من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم؟
من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم؟ وما هي قصته مع النار ومع ابنه؟ فالله -تعالى- بعث الأنبياء والمرسلين؛ ليبلغوا رسالته، ولينشروا العبودية الحقة، ويصرفوا وجوه الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل رسالة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
فكان من هؤلاء الذين حملوا هذه الرسالة العظيمة خليل الله، والذي سنتحدث عنه من خلال موقع ايوا مصر عن طريق إيضاح الإجابة الوافية عن سؤال “من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم؟”
من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم؟
إن الخلة هي صفة عظيمة لا يمنحها الله -تعالى- لأي حد بل يمنحها لمن يصطفيه من خلقه فهي المحبةُ التي خللت وتخللت وتغلغلت في قلب المحبوب فلم يدع لغيره مكان فيه، ولذلك حملها أفضل الناس وخيرتهم وأشرفهم؛ فهيا نتعرف على سؤال من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم.
خليل الله هو نبي الله -عز وجل- إبراهيم (عليه الصلاة والسلام)؛ فقد اتخذه الله خليلًا، قال الله (عز وجل): “وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا” (125: سورة النساء).
كذلك قد قال الله عنه في سورة النحل الآية 120: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”
معنى قوله -تعالى- (كان أمة) أي هو الإمام الذي يقتدى به.
معنى قانتًا: أي: الخاشع المطيع، ومعنى حنيفًا أي: المنحرف قصدًا عن الشرك إلى التوحيد، وقد سُأل عبد الله بن مسعود عن كلمتي الأمة والقانت، فقال: الأمة هو معلم الخير والقانت: هو المطيع لله ورسوله.
عن ابن عمر أنه قال في معنى الأمة: الأمة هو الذي يعلم الناس دينهم .
بدأ سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بالتأمل في أسرار الكون؛ حتى وصل لمرحلة عين اليقين، قال الله في شأن تأمله ووصوله:
“وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)”
يمكنك أيضًا الاضلاع على: أين ولد سيدنا إبراهيم وحياة ابراهيم عليه السلام
لماذا سمي خليل الله بهذا الاسم؟
في قوله -جل شأنه-: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}، [سورة النساء – 125] بين علماء التفسير سبب هذا الإصطفاء الإلهي لسيدنا إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) بهذا المقام العالي، والدرجة الرفيعة؛ التي لا يصل إليها إلا خواص الخواص.
فقد قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: ولقد سمي سيدنا إبراهيم بخليل الله لشدة محبة الخالق -جل جلاله- له؛ لما كان عليه سيدنا إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) من الطاعة، والإخلاص، والمحبة، والصدق، والتضحية، والفداء، والقنوت، وغيرها من الصفات العظيمة؛ التي يحبها المولى -جل وعلا- ويرضاها.
من الصفات التي تألق بها سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- أنه كان قانتا لربه، خاشعًا لمولاه، يكثر التضرع ويلتزم بأوامر الله -تعالى- بل كان يمعن في تلبية الأمر الإلهي؛ مهما كانت درجة صعوبته، فكان يمعن امتثال الأمر الذي يأتيه من ربه، كامتثاله لأمر المولى في قصة ذبح ابنه إسماعيل وغيرها من الأمثلة.
قيل إن سبب تسمية نبي الله إبراهيم عليه السلام بـ”خليل الله” أنه كان لا يأكل الطعام وحده بمفرده؛ بل كان يدعو الجميع؛ ليأكلوا معه.
إن سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- سُمي بخليل الرحمن؛ لأن حبَّ الله تخلل في أركانه وكيانه، كان محبا لله -سبحانه وتعالى- إلى درجة الخلة؛ كالإسفنج الذي اعتراه الماء.
يمكنك أيضًا الاضلاع على: قصة سيدنا ابراهيم وابنه اسماعيل والدروس المستفادة
مواقف من حياة الخليل
بعد أن عرفنا من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم علينا أن نتعرف على مواقف من حياته جعلته يصل إلى هذه الدرجة الرفيعة والمنزلة الكريمة العظيمة،
هذا سيدنا إبراهيم –عليه الصلاة والسلام- يهاجر إلى مكة، ومعه زوجته هاجر وابنه إسماعيل، فانزلهما في صحراء لا ثمر فيها ولا ماء.
تسأله هاجر فتقول له: كيف تتركنا هنا؟ وهي ترى أن المكان شبه معدوم من مكونات الحياة الطبيعية؛ من القوت والثمرات؛ حتى المياه، فتسأله وتقول له: هل أنزلتنا هنا برأيك أم بتوجيه من الله؟ فيرد هنا سيدنا إبراهيم بقلب فيه برد الإيمان وسلام الطمأنينة واليقين؛ فيقول لها بتوجيه من الله -تعالى-، فترد هاجر بقلب صادق مؤمن قائلة: والله لن يضيعنا الله أبدا.
فأي قلب يتحمل أن يترك الزوج زوجته بعيدًا هي وابنها الرضيع في مكان لا طعام به ولا ماء إلا إذا ترعرع الإيمان في قلبها؛ فهكذا نرى الإيمان في قمته وقوته قد تجسد في شخص سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
الخليل والنار
الإجابة على سؤال “من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم؟” يكون بالتعرف على مواقفه الخالدة، حين دعا سيدنا إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- قومه لعبادة الله -جل وعلا- وناصحًا لهم أن يتركوا عبادة الأصنام.
كان يحاربهم بكل الوسائل وفي كل الطرق؛ فحطم تلك الأصنام؛ التي لا تنفع ولا تضر؛ ليزيح الشرك عنهم، ولما قد دحضت حججهم، وظهر عجزهم، وبان ضعفهم، وأظهر الله -تعالى- الحق، ولما اندفع الباطل، فذهبوا لاستعمال جاههم وملكهم وسلطانهم، فقالوا:﴿ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 68]
فظلوا يجمعون حطبًا كثيرًا جدًا، وأشعلوا فيه النيران؛ فكان لها شرر كبير ولهب مرتفع، قيل أنها: لم توقَدْ نار مثلها، فألقوا فيها سيدنا إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) فلما ألقَوه في النار قال: “حَسْبُي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ“.
كما أورد الإمام البخاري عن ابن عباس أنه قال: “حَسْبُي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ” قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].
كما أنه قد جاء في بعض الآثار روى بعض السلف أن جبريل قد جاء لسيدنا إبراهيم وقال له: ألك حاجة؟ فقال سيدنا إبراهيم بقلب صادق؛ أما منك فلا، وأما من الله -تعالى- فحَسْبُي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فقال الله -عز وجل للنار-: ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، قيل في معناها: لم يبقى نار في الأرض إلا طفئت
قال ابن عباس وأبو العاليةِ: لولا أن الله عز وجل قال: ﴿ وَسَلَامًا ﴾ [الأنبياء: 69]؛ لآذى إبراهيمَ بَرْدُها.
هكذا يكون نصرُ الله -تعالى- لأوليائه؛ فإنه -سبحانه وتعالى- قد قضى، بأنه من عادى وليًّا له فقد آذنه بالحرب، ألم يقل -جل شانه-: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110].
يمكنك أيضًا الاضلاع على: قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام كاملة وأهم مضامينها
الخليل مع ذبح ابنه
بعد أن رزق سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بولد وهو سيدنا إسماعيل أحبه سيدنا إبراهيم حبًا جما؛ فأراد الله -سبحانه وتعالى- أن يمتحن صدق نبيه وحبيبه وخليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- فأمره أن يذبح فلذة كبده وروحه ابنه إسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- قال الله -تعالى-: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102].
أخبر سيدنا إبراهيم ولده إسماعيل بما أمره الله به، فما ما كان من سيدنا إسماعيل، ذلك الولد الصالح، ابن المرأة الصالحة، إلا أن يستجيب طلب أبيه ويستجيب لأمر الله -تعالى- بكل إيمان وحب وطواعية واحتسابًا، بارًا بأبيه، ومرضيًا لربه -تعالى-؛ قائلًا: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102].
ما بقي من قصة الخليل مع ذبح إسماعيل
ظهر كمال العبودية وصدق النية من هذه القلوب الصادقة، انقاد سيدنا إبراهيم لأمر ربه دون تردد، مضحيًا بابنه الذي أحبه والذي أتاه بعد كبر وطول غياب، وظهر أيضًا صدق ذلك الولد الصالح؛ فاستسلم لأمر الله -تعالى- ولأمر أبيه؛ ولم يتذمر ولم يرفض هذا الأمر؛ بل هانت عليه نفسه إرضاءً لأمر الله تعالى.
لما استسلم سيدنا إبراهيم وولده سيدنا إسماعيل لأمر الله -تعالى- وفوضا أمرهما إلى الله؛ ذهب إبراهيم وابنه إلى مكان بعيد، وجعل وجهه في ناحية غير الذي ينظر إليه فيها؛ حتى لا يشفق عليه.
في هذه اللحظات التي تُسكب فيها العبرات، وتحبس الأنفاس، ولا ترى في هذه المواقف إلا الدموع في العيون، وضع سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- السكين على رقبة ابنه ليذبحه وينفذ الأمر؛ فسُلِبَت السكينُ حدها كما سُلِبَت النار من قبل إحراقها، وجاءت البشرى؛ فنودي سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة السلام-:
{أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:104- 106].
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (الداء والدواء):
“إن المراد من وجود الإبتلاء أن نعذب، ولكننا نبتلي لنُهذب، وليس من العجب أن يكون من أمر الخليل أن يذبح ابنه، وإنما العجب يكون من مباشرة الذبح بيده، ولولا استغراق حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور“.
بعد ذلك، يفدي المولى -جل وعلا- سيدنا إسماعيل بكبشٍ عظيم أبيض أقرن فيرسله الله -تعالى- فداءً له عليه السلام، قال الله {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:107].
يمكنك أيضًا الاضلاع على: من هم ابناء سيدنا ابراهيم وعددهم وقومه
بذلك نكون قد استعرضنا وبينا من هو خليل الله ولماذا سمي بهذا الاسم؛ فبدأنا بالحديث عن الجواب عن السؤال ثم بينا أنه سمي بهذا الاسم لصفاته الفريدة من الإيمان القوي والصدق والبذل والتضحية ثم أعطينا أمثلة على مواقف من حياته؛ بينا قصة زوجته وابنه الرضيع في الصحراء واستخلصنا منها الصدق والإخلاص؛ ثم ذكرنا قصته مع النار، ثم ختمنا بقصته مع ذبح ابنه إسماعيل؛ لندلل على استحقاقه؛ لشرف الخلة؛ نتمنى أن نكون قد قدمنا نفعًا لحضراتكم.