حكم القنوت في صلاة الفجر عند الفقهاء الأربعة
حكم القنوت في صلاة الفجر عند الفقهاء الأربعة مختلف فيه إلى عدة أقوال بسبب فهم الفقهاء للنصوص المختلف وتفسيرهم للأدلة الأصولية من السنة طبقًا لمنهجهم الفقهي، هذا بالرغم من أنهم اتفقوا على حكم القنوت في صلاة الوتر إنه مشروع.
في هذا الموضوع على موقع ايوا مصر سنتناول تعريف القنوت وحكم القنوت في صلاة الفجر عند الفقهاء الأربعة وأدلة كل فريق منهم.
حكم القنوت في صلاة الفجر عند الفقهاء الأربعة
قبل تناول حكم القنوت في صلاة الفجر عند الفقهاء الأربعة يجب علينا تعريف ماهية القنوت قبلًا
القنوت في اللغة هو: الخضوع والسكون والطاعة والخشوع وطول القيام ويُطلق على الدعاء في خشوع، وهو من الأصل اللغوي “ق ن ت” (مقاييس اللغة 5/31).
القنوت في الاصطلاح الفقهي: قال بن حجر عنه أنه هو الدعاء المخصوص في الصلاة في محل مخصوص بعد القيام (فتح الباري 2/490).
قد اتفق الفقهاء بمذاهبهم الأربعة على مشروعية القنوط في صلاة الوتر إلا أنهم اختلفوا في حكمه في صلاة الفجر، وكانت آرائهم على النحو التالي:
رأي الحنابلة في قنوت الفجر
يرى فقهاء الحنابلة بأنه لا قنوت إلا في صلاة الوتر، فلا قنوت في صلاة الفجر
ورد رأيهم هذا في:
- كتاب كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي (1/421).
- كتاب المغني من مستودعات الفقه الحنبلي لابن قدامة (2/114).
كما أنهم يرون أنه لا قنوت في الطاعون، لأنه لم يثبت أن قنت أحد من الصحابة في طاعون عمواس أو في غيره.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ما هي صلاة الغداة
رأي الحنفية في قنوت الفجر
يرى فقهاء المذهب الحنفي أن القنوت واجب في صلاة الوتر، لكن لا قنوت في صلاة الفجر ولا غيرها من الفروض إلا في النوازل، فيقنت الإمام ويؤمن من ورائه، ولا قنوت منفردًا حتى في النوازل
ورد رأيهم هذا في:
- كتاب البناية شرح الهداية للعيني (2/494).
- كتاب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لشيخي زاده (1/193).
كما يرى الحنفية أنه يستحب القنوت لدعاء الله برفع الطاعون والنوازل.
رأي الشافعية في قنوت الفجر
يرى فقهاء المذهب شافعي أن القنوت في صلاة الفجر مستحب، ومحله بعد الرفع من الركوع، فورد عن الإمام النووي رحمه الله أنه قال: “… واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح، وهو سنة متأكدة، لو تركه لم تبطل صلاته، لكن يسجد للسهو، سواء تركه عمدا أو سهوًا” (الأذكار 59).
كما قال في المجموع: “مذهبنا أنه يستحب القنوت فيها سواء نزلت نازلة أو لم تنزل، وبهذا قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم …”.
رأي المالكية في قنوت الفجر
حدد فقهاء المذهب المالكية القنوت في صلاة الفجر فقط، وزادوا أنه يستحب أن يكون ذلك قبل الركوع، وإذا قنت المصلي في غير الفجر لم تبطل صلاته.
قال صاحب (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل) “الحطاب الرُّعيني” المالكي المذهب في كتابه:
“القنوت مستحب في صلاة الصبح وهذا هو المشهور”
ثم فصل أراء أصحابه فقال:
- قال ابن سحنون: سنة.
- قال يحيى بن عمر هو غير مشروع ومسجده بقرطبة لا يقنت فيه إلى حين أخذها أعادها الله للإسلام.
- لابن زياد ما يدل على وجوبه؛ لأنه قال من تركه فسدت صلاته أو يكون على القول ببطلان صلاة من ترك السنة عمدًا.
- قال أشهب: من سجد له فسدت صلاته.
- قال ابن الفاكهاني: القنوت عندنا فضيلة.
و أردف بقوله: “بلا خلاف أعلمه في ذلك في المذهب”، فجمع بذلك أغلب أقوال أئمة المذهب المالكية.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: دعاء بعد صلاة الفجر للرزق
رأي السلف في قنوت الفجر
استكمالًا لنقلنا لحكم القنوت في صلاة الفجر عند الفقهاء الأربعة نَرد رأي السلف الصالح (الصحابة والتابعين) في قنوت صلاة الفجر.
قال ابنُ قُدامة في (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 2/114): “لا يسنُّ القنوتُ في الصبح، ولا غيرها من الصلوات، سوى الوتر، وبهذا قال:
- الإمام الثوري.
- الإمام أبو حنيفة
- رواية عن عبد الله بن عباس.
- عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
- أبي الدرداء.
إلا أن الإمام النووي ذكر في (المجموع) من السلف مَن أباحوا القنوت في الفجر نحو:
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- عثمان بن عفان رضي الله عنه.
- علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
- عبد الله بن عباس رضي الله عنه (كلاهما ذكره إلا أن قدامة قال رواية عنه).
- والبراء بن عازب رضي الله عنه.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: دعاء صلاة الفجر بعد الركعة الثانية
رأي ابن تيمية في قنوت الفجر
يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يشرع القنوت في الفجر فقال في (مجموع الفتاوى 21/153، 154) أنه إذا تأملت الأحاديث الواردة في القنوت ستجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداوم على القنوت في أي من الصلوات ولهذا أنكره الصحابة.
كما أن الصحابة رضوان الله عليهم لم ينقلوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أيًا مما كان يقول في القنوت، بينما نقلوا عنه ما كان يدعوا به بصورة عرضية مثل الدعاء لجماعة من الناس أو الدعاء على قوم.
بينما كان تعليق ابن تيمية على وصول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “اللهمَّ اهدِنا فيمن هديتَ” إلينا فقال في نفس الموضع السابق ذكره: “… فهذا إنما في السُّنن أنَّه علَّمه للحَسَن يدعو به في قنوتِ الوِتْرِ، ثم من العَجَبِ أنه لا يستحبُّ المداومة عليه في الوِتْرِ الذي هو من مَتْنِ الحديث، ويداوم عليه في الفَجْرِ، ولم يُنقَل عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قاله في الفجر …”
ويردف بالحديث أنه لم ينقل أيًا من الصحابة أنه قال هذا الدعاء في الفجر، فلو كان يداوم على القنوت في الفجر والدعاء بهذا الدعاء ما كان هذا أمر يُهمل ولنقله الصحابة إلى التابعين ووصل إلينا، هذا بأن الصحاب والتابعين قد نقلوا كل ما كان يداوم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل زادوا أنهم كانوا ينقلون ما لم يداوم عليه في صلاته وقنوته لسبب معين ودون سبب معين.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: كيفية صلاة سنة الفجر
رأي ابن القيم في قنوت الفجر
في كتابه (زاد الميعاد في هدى خير العباد) الصفحة 272 من الجزء الأول يقول انه من المُسَلم به أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقنت كل يوم ويدعو الله لكان الصحابة رضوان الله عليهم نقلوا ذلك لكافة الأمة كما نقلوا لنا الجهر بالقراء وعدد الركعات وصفة الصلاة.. .
فإذا حكمنا بجواز تضيعهم لأمر القنوت جميعهم فلا بد أنهم يكونوا قد ضيعوا صفة الصلاة التي نقلوها لنا، فلا فرق بين الأمرين.
فإنهم قد نقلوا لنا أنه لم يجهر بالبسملة في كل يوم وليلة في الخمس صلوات فكيف ينقلون تلك التفاصيل الدقيقة ولا ينقلون القنوت بلفظه: “… وهذا من أمحل المحال“؛ فلو كان القنوت دائم لنقلوه مثل (عدد الصلوات، عدد ركعات كل صلاة، الصلاة الجهرية والصلاة السرية، عدد السجدات في كل ركعة، ترتيب أركان الصلاة …).
بعد ذلك يقول بالنص: “… والإنصافُ الذي يرتضيه العالم المنصِف، أنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَهَرَ، وأسرَّ، وقنت، وتَرَكَ، وكان إسرارُه أكثرَ من جَهْرِه، وتَرْكُه القنوتَ أكثَرَ مِن فِعْلِه”
يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت عند النوازل من أجل الدعاء للقوم أو الدعاء على القوم، وبهد ذلك ترك القنوت عندما رجع من كان يدعوا لهم وفك العدو أسرهم، وتركه أيضًا عندما تاب من كان يدعو عليهم أتوه مسلمين.
ثم أردف يقول: “… فكان قُنوتُه لعارضٍ، فلما زال تَرَكَ القنوتَ، ولم يختصَّ بالفجر، بل كان يقنُتُ في صلاة الفَجْرِ والمغرِبِ”.
بهذا نخلص إلى أن الإمام ابن القيم رحمه الله يرى أنه لا قنوت في صلاة الفجر دائمًا.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: صلاة الفجر كم ركعه
رأي الشوكاني في قنوت الفجر
في كتابه (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار 2/401) قال الإمام الشَّوكانيُّ إنه يرى أن الحق في رأي من قال أن القنوت مختص بالنوازل، أي لا يشرع القنوت في الفجر في كل يوم.
رأي ابن عثيمين في قنوت الفجر
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى 131/14 أن القنوت لا يكون إلا لسبب، مثل نزول نازلة بالمسلمين، حينها لا بأس أن يقنت الإمام ليدعو الله تعالى أن يرفع تلك النازلة عن عباده، ويكون هذا القنوت في صلاة الفجر أو في غيرها.
أما دون سبب فإن الإمام لا يجب له القنوت في الفجر، لكن إذا صلى المسلم مأموم وراء إمام يقنت فيجب عليه اتباعه وأن يؤمن على دعائه؛ وهذا رأي الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
يمكنك أيضًا الاضطلاع على: ماذا يقرا في صلاة الفجر
رأي اللجنة الدائمة للإفتاء في قنوت الفجر
في المجموعة الأولى من فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء 7/47 قالوا أنه لم يصح بالأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص صلاة الصبح/ الفجر بالقنوت، ولم يرد عنه أنه داوم على الدعاء في صلاة الفجر.
بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت في النوازل، مثلما قنت في صلاة الفجر وغيرها من الفروض عندما كان يدعو على (ذَكوانَ ورِعلٍ وعُصَيَّةَ) بعدما قتلوا القراء الذين أرسلهم لتعليمهم أمور دينهم.
كما أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو للمسلمين المستضعفين في القنوت أن ينجيهم الله ويحفظهم.
هذه السنة التي اتبعها الخلفاء الراشدين من بعده، فكانوا يقنتون في النوازل فقط، وهذا الخير في الاتباع لنقتدي بخير البرية صلى الله عليه وسلم.