هل تجب الزكاة على من له دين على معسر؟

منذ 21 أيام
هل تجب الزكاة على من له دين على معسر؟

هل تجب الزكاة على من له دين على معسر وهل يختلف حكم إخراج الزكاة إذا كان المَديون معسر أو مماطل أو جاحد المال ولا يقدر صاحب المال على إجباره أن يدفع أو يكن المَديون مليئًا باذلًا، هذا الموضوع تساءل فيه أصحاب المال لذين يقرضون غيرهم أو التجار الذين لديهم أمال في السوق دائمًا ويرغبون في حساب مقدار زكاة المال المستحقة عليهم؛ لذلك قد تناول الفقهاء القدماء والمحدثون هذا الباب بالتفصيل.

في هذا الموضوع على موقع ايوا مصر سننقل لكم أقوال الفقهاء في إجابتهم على سؤال هل تجب الزكاة على من له دين على معسر وبعض الأحكام المتعلقة به.

هل تجب الزكاة على من له دين على معسر

قبل الإجابة على سؤال هل تجب الزكاة على من له دين على معسر يجب علنيا توضع بعض الألفاظ بمعنها في الاصطلاح في موضوعنا، نحو:

  • الدائن: صاحب المال عند الناس.
  • المَديون: من عليه المال للغير.
  • معسر: هو المَديون الذي لا يقدر على الدفع لعدم وجود مال لديه.
  • مماطل: هو المَديون الذي لديه مال لكنه يماطل في الدفع.
  • جاحد المال: هو المَديون الذي لديه مال لكنه يرفض الأداء أو ينكر أنه عليه دين.
  • مليئًا باذلًا: هو المَديون الذي لديه مال وغير معسر ولا ينكر هذا الدين، وقد يدفع إذا طلب صاحب المال لكن صاحب المال لم يطلب.

فالزكاة في المال المُدان عن أحد لا تخرج عن أربع حالات هي:

  • أن يكون من عليه الدين مليئًا باذل إياه
  • أن يكون من عليه الدين معسر لا يقدر على الدفع
  • أن يكون من عليه المال مماطل فيه
  • أن يكون من عليه المال جاحد المال

فاتفق الفقهاء أن الزكاة تجب في الحالة الأولى فقط لأن المال في تلك الحالة كأنه في حوزة الدائن.

أما في الثلاث حالات الأخرى لا تجب عليها الزكاة إلا بعد قبض المال وأن يمر عليه حولًا كامل بهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وقال به الشيخ ابن باز رحمه الله.

في الحالة الأولى إذا كان من عليه الدين يقدر على دفعها ولن يعارض إذا طلبه صاحبه فتجب فيه الزكاة من بعد موعد الاستحقاق بحول كامل، سواء كان ذلك المال قد بلغ النصاب بحاله أم بضمه إلى غيره من المال، وتجب فيه الزكاة كل عام كأنه عند صاحبه.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أي مما يلي يعد أحد شروط وجوب الزكاة

تعليل الحكم

علل الفقهاء إجابتهم على سؤال هل تجب الزكاة على من له دين على معسر أن المال في الحالة الأولى كأنه في حوزة صاحبه فلو طلبه في أي وقت لقبضه؛ وبذلك فإنه يضمه إلى ماله (اعتبارًا) ويخرج الزكاة في كل المال إذا بلغ النصاب.

أما في الحلات الأخرى فإن المال في حكم المفقود، ومن شروط إخراج الزكاة أن يكون صاحب المال يمتلكه، كما ان هذا المال غير نامٍ (لا يزيد) فلا تجب فيه الزكاة مثل عروض القنية.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: أحاديث عن الزكاة والصدقة

زكاة المال في يد مديون يؤديه في أي وقت

كما أردفنا فإنه اتفق الفقهاء أن المال الذي في يد الباذل إياه تجب فيه الزكاة والمسلم حر في أن يخرج زكاته في حين استحقاقه أو يخرجه حين قبضه عن كل الأعوام التي مضت.

فالأولى فيها ابراء للزمة، فلا يضمن الإنسان عمره وقد لا يخرج الورثة زكاة هذا المال حين يقبضونه، إلا أن هذا ليس واجب عليه فهو من الإحسان والأحوط، وبهذا قال الشافعية.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذا الصدد:

“والصحيح: أنه تجب الزكاة فيه كل سنة، إذا كان على غني باذل؛ لأنه في حكم الموجود عندك؛ ولكن يؤديها إذا قبض الدين، وإن شاء أدى زكاته مع زكاة ماله، والأول: رخصة، والثاني: فضيلة، وأسرع في إبراء الذمة”

زكاة المال بعد قبضه من معسر

عند قبض المال من الثلاث حلات الأخرى (المعسر والمماطل والجاحد) أختلف الفقهاء في الزكاة الواجب عليه إلى قولين:

  • إنه تجب فيه الزكاة على كل عام مضى منذ استحقاقه وكان يحبسه المَديون.
  • إنه تجب الزكاة لعام واحد فقط، ولو بقى عند المَديون لعشرات الأعوام.

تفصيل ذلك:

الإمام مالك وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزعي أنه تجب فيه الزكاة لعام واحد فقط، أما الشافعي والثوري ورواية عن أحمد بن حنبل أن صاحب المال يخرج زكاته عند قبضه لما له من سنين.

أما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيرى أنه لا زكاة فيه لما مضى فقط يخرج صاحبه زكاته مرة واحدة فقط في سنة القبض.

تعليل الحكم بأداء عام واحد فقط

هذا الرأي الذي ذهب إليه أغلب الفقهاء بسبب:

  • ن أن أ ياياأن من شروط وجوب الزكاة القدرة على الأداء وأن صاحب المال لم يكن قادر على الأداء من عين المال في الفترة التي كان ماله محبوسًا فيها.
  • أن في ذلك تسيسرًا على صاحب المال فلا يخرج الزكاة من مال لا يستفيد منه ان في حكم الغير موجود أن في ذلك تسير على صاحب المال فلا يخرج الزكاة من مال كان في حكم الضائع، وكيف نطلب منه انتظار المعسر ونطلب منه أن يخرج الزكاة على نفس المال؟!
  • أن في ذلك تيسير على المعسر أن في ذلك تيسير على المعسر بألا يظل صاحب المال يطالبه به حتى يخرج زكاته ولا يخسر تأكله الزكاة وهو محبوس عنده.
  • أن هذا المال يشبه المال أن هذاأن هذا المال يشبه الكنز المدفون المنسي، فغذا دفن مسلم مالًا خوفًا من السرقة أو ما شابه، ونسي ذلك ثم وجده هذا المال فإنه تجب فيه الزكاة لعام واحد فقط، كذلك حكم المال المسروق إذا بقى عند سارقه فترة وقدر عليه صاحبه بعدها، فإنه غير مطالب إلا بإخراج زكاة المال في عام واحد فقط.

وردت هذه الآراء بالتفصيل في كتاب (الشرح الممتع على زاد المستقنع 6 / 27 ، 28).

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: الحكمة من مشروعية الزكاة

إسقاط الدين على المعسر مقابل الزكاة على صاحب المال

بعد أن نقلنا أقوال العلماء في إجابة سؤال هل تجب الزكاة على من له دين على معسر فماذا إذا أسقط صاحب المال الدين الذي له عند معسر مقابل الزكاة؟

في تلك الحالة يقول جمهور العلماء أن إبراء الدين من معسر فقير لا يجزي الزكاة، وقد ورد هذا الرأي في:

  • عند فقهاء الحنفية نقله السرخسي في (المبسوط 187/2).
  • عن فقهاء المالكية نقله الحطاب في (المواهب الجليلة 224/3) والخراشي في (شرح مختصر الخليل 214/2)
  • عن فقهاء الشافعية (أغلبهم) نقل الإمام النووي ذلك في (المجموع 210/6)، والماوردي في كتابه (الحاوي الكبير 332/3)
  • عن فقهاء الحنابلة نقل هذا الرأي ابن مفلح في (الفروع 288/4)

كما قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة في (مجموع الفتاوى 25/84): “… وأمَّا إسقاطُ الدَّينِ عنِ المعسِر، فلا يُجزِئ عن زكاةِ العَينِ بلا نِزاع”.

دليل الفقهاء في هذا الحكم

استدل الفقهاء في قولهم بهذا الحكم بدليلين من القرآن الكريم هم:

  • قول الله تعالى في سورة التوبة: ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)”
  • قوله تعالى في سورة البقرة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)”

فإن الآية الأولى تدل على الزكاة تجب أن تكون أخذ من المُزكي وأعطاها إلى مستحقيها؛ وإذا تنازل صاحب الديم عن دينه فذلك ليس فيه اخذ وعطاء.

الآية الثانية موضع الشاهد فيها قوله: “… وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ …” وهذا فيه عدة نقاط كما قال الفقهاء، هي:

  • أن التنازل عن الدين مقابل الزكاة كأنه اختار الخبيث من ماله، فعدل المُزكي عن المال الطيب الذي بحوزته إلى المال الذي في حوزة المعسر.
  • غير المأمون أن يكون صاحب المال كان قد يأس من هذا المال فأراد أن يقي ماله به، فقام بخصمه من مال الزكاة ليريح باله من المطالبة به؛ ولا يقبل الله تعالى إلا العمل الخالص لوجه.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: يجوز تقديم إخراج الزكاة وتعجيلها لمن

رأي دار الإفتاء في اسقاط الدين على المعسر مقابل الزكاة

إلا أن دار الإفتاء المصرية قد أفتت بجواز التنازل عن المال الذي عند المَديون المعسر مقابل الزكاة، فلصاحب المال أن يخبر من عليه الدين بأنه تنازل عن الدين، ولا يخبره أن ذلك مقابل الزكاة حفاظًا على ماء وجه ورفعًا لمعنوياته.

استدل الفقهاء في دار الإفتاء المصرية في قولهم بهذا الحكم بجانب آراء بعض الفقهاء القدماء بقول الله تعالى في سورة البقرة:

” وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)”

فالتنازل هنا صدقة ولم يكن قبض وتميلك، وأن الأعمال بالنيات والمقصد هو الهدف.

دفع الزكاة إلى المعسر بشرط أن يدفع دينه

بعد أن نقلنا أقوال العلماء في إجابة سؤال هل تجب الزكاة على من له دين على معسر فماذا إذا كان لرجل مال عند آخر معسر لا يقدر على دفعه، فاتفق معه أن يدفع له مال الزكاة بشرط أن يرد إليه دينه من هذا المال..

اتفق الفقهاء على أن هذا لا يصح اسقاط للزكاة، وقد ورد ذلك في كتاب (المجموع 6/211) للإمام النووي رحمه الله (من الشافعية) كما قال بذلك ابن قدامة ممثلًا فقهاء الحنابلة في كتابه (المغني من مستودعات الفقه الحنبلي 2/487)

كما قال الإمام ابن تيمية في: (الاختيارات الفقهية الصفحة رقم 457): “… إذا كان له دَينٌ على من يستحقُّ الزَّكاةَ فأعطاه منها وشارَطه أن يُعيدها إليه لم يجُزْ، وكذا إن لم يشرطْ لكن قصَدَه المُعطي في الأظهَرِ”.

بينما تعليل ذلك:

  • أن زكاة يجب أن تكون لوجه الله خالصة، ولا تُقبل إذا صرفت إلى منفعة.
  • أن هذا يشبه الاسقاط السابق ذكره، ويعتبر من التحايل على شرع الله.

يمكنك أيضًا الاضطلاع على: متى تجب زكاة المال

دفع الزكاة إلى المعسر دون شرط

إذا مسلم من زكاة ماله إلى شخص له دين عينه وهو معسر قاصدًا إخراج زكاة المال فقط ولا يقصد أن يرد إليه هذا الرجل المال الذي عليه، أي أنها خاصة لوجه الله، دون شرط جاز ذلك عند جمهور الفقهاء، لأن هذا المعسر من الغارمين الذين ذكرهم الله تعالى في آية مصاريف الزكاة في سورة التوبة:

“إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)”.

كما أن صاحب المال في تلك الحالة هو الأعلم بنيته وهو من يحدد، كما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: ” الأعْمَالُ بالنِّيَّةِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى …”

بذلك نكون قد نقلنا لكم أقوال الفقهاء في إجابة سؤال هل تجب الزكاة على من له دين على معسر وأدلة الفقهاء في رأيهم، كما تناولنا بعض القضايا الفقهية المتعلقة بالديون عند المعسرين، ندعو الله أن يقون قد وفقنا لما يحب ويراضاه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين شفيعنا يوم الدين.


شارك