شرح قصيدة صوت صفير البلبل

منذ 17 أيام
شرح قصيدة صوت صفير البلبل

شرح قصيدة صوت صفير البلبل القصيدة الأشهر في التلاعب اللغوي والإتيان بالألفاظ الصعبة المنسوبة للأصمعي، يُقال إنه قالها أمام الخليفة أبي جعفر المنصور، في موضوعنا هذا سنتناول شرح قصيدة صوت صفير البلبل، ونتناول قصتها المشهورة، ونبحث في صحة القصة وصحة نسبها للأصمعي.

شرح قصيدة صوت صفير البلبل

عند محاولة شرح قصيدة صوت صفير البلبل سنلاحظ أن تلك القصيدة لا تحمل غرض رئيسي منها ولامعنى مُحَمل، هي فقط منظومة لتكون هي الغرض في ذاتها، بمعنى أن الغرض منها هو التراكب اللغوي المعجز على الفهم والحفظ.

حتى وإن كان مدح الخليفة في متن الأبيات، إلا أنه كان يقصد الغرض الأساس، وهو بيان الفحولة اللغوية والإتيان بقصيدة لا يحفظها أحدٍ بسهولة، كما تروي حكايتها المشهورة في كتب الأدب ونوادر الأدباء ومجالس السمر في بلاط الخلفاء.

شرح صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ

صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ *** هَيَّجَ قَلبِي الثَمل

معاني الألفاظ

  • صفير: هو اسم صوت تغريد طائر البلبل.
  • البلبل: هو نوع من الطيور الصغيرة المغردة يشبه عصافير الدوري، إلا أن صوته شجي وجميل، هناك سلالة منه منتشرة في بلاد ما بين الرافدين.
  • هيج: أثار وغير الحال.
  • الثمل: هو السكران من آثار شرب الخمر.

معنى البيت: يقول الشاعر أن قلبه الذي كان ثمل بسبب حب المحبوبة، أهتاج واشتعل عندما سمع صوت تغريد طائر البلبل، فتلك الأصوات الشجية تُذكّر العاشق بالجمال، ومَنْ أجمل من المحبوبة؟!

وتعبير قلبي الثمل يُحمل على المجاز.. أي أنه عندما يشرب لا يثمل قلبه، إنما هو ثمل من حُب المحبوبة، وهذه استعارة.

ملحوظة: ورد في بعض المصادر في آخره: “الثَملي” وهذه للضرورة الشعرية فقط، فعجز البيت مكسور ومن باب الإطالة افي الحركة أصبحت الحركة ياء، وعلى هذا في أغلب الأبيات.

شرح الماءُ وَالزَهرُ مَعاً

نكمل شرح قصيدة صوت صفير البلبل بالبيت الذي يقول:

الماءُ وَالزَهرُ مَعًا *** مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ

معاني الألفاظ

  • المقل: جمع مقلة وهي العين.

معنى البيت: يصف الشاعر جمال وجه محبوبته بأنه مثل الحديقة ذات الألوان المبدعة، فاحمرار وجنتيها خجلًا يشبه لون الورد، ونضارة بشرتها وجهها كله وحيويته كأن هناك نهر يجري به، بل أن عيناها مثل الزهور في جمالهن.

شرح وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي

وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي *** وَسَيِّدِي وَمَولى لِي

معاني الألفاظ

  • سَيِّدَ لِي: سيدي
  • مَولى لِي: مولاي

معنى البيت: ينتقل الشاعر إلى المستمع في هذه اللحظة بالنداء وهو الخليفة الذي يلقي القصيدة أمامه، يناديه بعة أوصاف متشابهة بإطناب.. حيث أن سيدي نفس معنى مولاي، ولو كان فعل شاعر آخر نفس هذا الفعل في قصدةٍ أخرى لكان يُعد عيب كبير، إلا أن هذا هو غرض القصيدة من الأساس، فلا يُعد عيبًا.

شرح فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي

فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي *** غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي

معاني الألفاظ والشرح

  • كم: لفظ يُقال للتكثير.
  • تَيَمَّنِي: التيم هو من مراتب الحُب الشديدة، فيقول الشاعر أن هذه المحبوبة جعلتني متيم بها.
  • غُزَيِّلٌ: هو الغزال الصغير، والغزال كان من أجمل الحيوانات في الثقافة العربية القديمة وتُشبه بهِ المرأة الجميلة، وأما في ما جاء به بصيغة التصغير لأن من أغراض التصغير هو التدليل (بجانب التحقير) وهذا يدل على حبه لتلك الفتاة وأنها قريبة من قلبه.
  • عَقَيقَلي: تصغير كلمة عقيق، وهو حجر كريم لونه أحمر.

نجد هنا أن الشاعر عاد إلى الغزل ووصف محبوبته بالغزال الذي يتحول لونه للأحمر من الخجل، وهذه كناية عن جمالها وشدة خجلها.

شرح قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ

إردافًا في شرح قصيدة صوت صفير البلبل، يقول البيت:

قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ *** مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ

معاني الألفاظ

  • وجنة: الخد.
  • اللثم: القبلة.

معنى البيت: يكمل الشاعر التغزل في محبوبته، فيصف خدودها بأنها مثل الورد الأحمر بسبب خجلها، وأنه قد قبّلها على هذا الخد، فكان تقبيله لها كأنه سرق وردة من هذه الحديقة المزهرة.

شرح فَقالَ لا لا لا لا لا

فَقالَ لا لا لا لا لا *** وَقَد غَدا مُهَرولِ

مُهَرولِ: الهرولة هي الجري البسيط الشبيه بالمشي، أي بين الجري والمشي

معنى البيت: يصف الشاعر حال محبوبته حين قبّلها، فقالت لا للدلالة على الرفض لكنها كررته للتدلل، وكانت تجري بخفة وهدوء.
أما وصفها بصيغة المؤنث فهذا قد يرجع لأمرين:

  • الأول: أنه يكمل الشرح في الصورة السابقة حين شبهها بصغير الغزال، فهذه صورة متصلة، وصغير الغزال “غُزَيِّلٌ” يُخاطب بصيغة المذكر.
  • الثاني أنه يكمل على عادة العرب في وصف المحبوبة والتغزل بها بصيغة المذكر، مثلما قال العباس بن الأحنف: “يَا مَنْ رَمى قَلبِي فأقصدهُ *** أنت الخَبِيرُ بمَوْقعِ السَّـْـهمِ”
    والميل يكون للرأي الأول؛ لأنه يخاطبها بصيغة المؤنث في البيت التالي.
  • شرح وَالخُوذُ مالَت طَرَباً

    بعد ذلك في شرح قصيدة صوت صفير البلبل بالبيت القائل:

    وَالخُوذُ مالَت طَرَباً *** مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ

    معاني الألفاظ

    • الخُوذُ: هي الفتاة الجميلة، ذات الملمس الناعم، ويطلق أيضًا على الأبل.

    معنى البيت: يصف الشاعر حال محبوبته الجميلة حين قبّلها، أن تمايلت من الطرب والفرحة وغابت عن الشعور، وعلى الأخذ بالمعنى الثاني، نجد أنه يصف حال الإبل حين تمايلت فرحًا له عندما قبّل محبوبته، فهذا نوع من المشاركة الوجدانية بين الرجل وحيواناته، وإنها تشعر به وتعلم كم يُحب هذه الفتاة.

    شرح فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت

    فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت *** وَلي وَلي يا وَيلَ لِي

    معاني الألفاظ

    • فوَلوَلَت: الولولة هي دعاء المرأة بالعذاب، وهو صوت المرأة بالصراخ عند المصائب.
    • وَلي: الولي هو ولي الأمر، والدها أو سيدها، أو حتى تستنجد بالوالي على البلد التي تسكن بها.

    معنى البيت: أنها حين قبّلها وفاقت على ما فعله ظلت تولول وتدعوا عليه، ودعاء المحبوب لا على الحقيقة إنما هو نوع من التدلل، فنجد هذا مشهور في الشعر العربي.

    مثلًا عندما كان أمرؤ القيس يحكي عما فعله مع عنيزة داخل هودجها بعدما ذبح لها ولصديقتها الناقة كانت تدعوا عليه وتقول إنه سيقتل الناقة مثلما فعل بناقته قال:

    ويَـوْمَ دَخَـلْـتُ الـخِـدْرَ خِـدْرَ عُـنَـيْـزَةٍ *** فَـقَالَـتْ: لَكَ الـوَيْـلاَتُ!،إنَّـكَ مُـرْجِـلِـي

    تَـقُـولُ وقَـدْ مَـالَ الـغَـبِـيْـطُ بِـنَـا مَعاً: *** عَقَـرْتَ بَعِـيْرِي يَا امْرأَ القَيْسِ فَانْـزِلِ

    شرح فَقُلتُ لا تُوَلوِلي

    فَقُلتُ لا تُوَلوِلي *** وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي

    معاني الألفاظ

    • اللؤلؤ: هو من الأحجار الكريمة، يتم استخراجه من المحار في البحر، ولونه أبيض لامع لا شوائب به.

    معنى البيت: يصف الشاعر ما فعله عندما ولولت حبيبته فقال لها: أن تهدأ وتكف عن الصراخ وأن تريه أسنانها أي تبتسم، أو يكمل التقبيل، وتشبيه الأسنان باللؤلؤ هنا كناية عن جمال أسنان هذه الفتاة.

    شرح قالَت لَهُ حينَ كَذا

    قالَت لَهُ حينَ كَذا *** اِنهَض وَجد بِالنقَلِ

    معاني الألفاظ

    • كذا: إشارة إلى ما فعله معها.
    • النقل: الشراب (الخمر)

    معنى البيت: يكمل الشاعر حكي ما حدث مع حبيبته، فعدما نهاها عن الصراخ، وأكمل ما كان يفعله؛ قالت له أنهض من مكانك واذهب وآتي لنا بالشراب حتى نشرب معًا.

    شرح وَفِتيةٍ سَقَونَنِي

    وَفِتيةٍ سَقَونَنِي *** قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي

    معاني الألفاظ

    • القهوة: اسم من أسماء الخمر، لم تكن القهوة التي نشربها الآن.

    معنى البيت: يقول الشاعر أنه عندما ذهب ليحضر الخمر قابل فتية وسقوه نوع من الخمر مذاقها جميل كأنه العسل.

    شرح شَمَمتُها بِأَنَافي

    شَمَمتُها بِأَنَافي *** أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ

    معاني الألفاظ

    • أَنَافي: جمع أنف، ومضافة إلى ياء الملكية.
    • القَرَنفُلِ: نبتة كان العرب يستوردونها من الهند لها رائحة جميلة، وإلى الآن يتم استخدامها فتوضع على الشاي.

    معنى البيت: يكمل الشاعر وصف تلك الخمر ويقول أن رائحتها كانت مثل القرنفل، وذلك للدلالة على مدى جمالها.

    ونكمل شرح قصيدة صوت صفير البلبل بالبيت الذي يقول:

    شرح فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي

    فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي *** بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي

    معاني الألفاظ

    • حُلِي: أحلى (اسم تفضيل)، والحلى هو ما تتزين به المرأة.

    معنى البيت: يقول الشاعر أن هؤلاء الفتيان أجلسوه في وسط بستان أحلى من الذي كان يجلس به ومزين بالزهور الجميلة، فأصبح مسرور بهذا المكان، والمعنى الأقرب للسياق: إنه ذهب مكان فيه نساء أكثر وأجمل من التي كان معها منذ قليل.

    شرح وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي

    يأتي الدور في شرح قصيدة صوت صفير البلبل على البيت:

    وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي*** وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي

    معاني الألفاظ

    • العُودُ: ألة موسيقية لها أوتار يضرب عليها فتصدر منها ألحان.
    • دَندَن: صوت الأنغام، أو التنغيم في الكلام الغير مفهوم.
    • دَنا: أقترب.
    • الطبل: آلة موسيقية إيقاعية، يتم الضرب على ظهرها فتصدر منها أصوات تنظم إيقاع الموسيقى الأخرى، ويتم الرقص على إيقاعها أيضًا.
    • طَبطَب: صوت الطبل.
    • طَبَ: يقصد طاب، أي أعجبني.

    معنى البيت: أنه في المكان الذي ذهب إليه استمع إلى الموسيقى والطبل، وأقترب من هذه الموسيقى لأنها أعجبته.

    شرح طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب

    طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب *** طَب طَبَطَب طَبطَبَ طب لِي

    معنى البيت: كل الـ(طَبِطَب..) هو تقليد لصوت الطبلة ولإيصال المعنى للمستمع.

    وطب الأخيرة من الطِب الذي هو العلاج، أي أن هذا الصوت والرقص قد عالجني مما كنت اشتكيه في أول القصيدة.

    شرح وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي

    وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي *** وَالرَقصُ قَد طابَ لِي

    معاني الألفاظ

    • سَق سَق سَق: تقليد صوت احتكاك الهواء مع الجريد في السقف.

    معنى البيت: بيوت بعض العرب قديمًا كانت مسقوفة بمجرد أنصاف جذوع نخل ومغطاة بجرد نخل، فكان الهواء يمر بها ويجعلها تهتز وتصدر صوت، فيُشبه الشاعر هذا الصوت كأنه صوت العصافير، يمتزج مع صوت الموسيقى والطبل مع بعض الراقصين له، فكل هذا قد طاب له وأعجبه، وهذا كناية عن جمال النسيم.

    شرح شَوى شَوى وَشاهشُ

    بعدما شرحنا القسم الأول من القصيدة، نستكمل شرح قصيدة صوت صفير البلبل
    بالبيت القائل:

    شَوى شَوى وَشاهشُ *** على ورق سفرجلي

    معاني الألفاظ

    شوي: اللحم المشوي.

    شاهشُ: لها عدة معانٍ، فهو لحم الإبل سريع الجري يكون خالي من الدهون.. وقيل هي نوع من أنواع الشوي، وقيل أيضًا أن هي الكمأة المشوية، وقيل هي أكل الملك في اللغة الفارسية.

    فلم نجد لها سابقة في الشعر العربي.

    السفرجل: هو نبات له أوراق خضراء؛ يؤكل نيئ ومطهي وله ثمار تُشبه التفاح.

    معنى البيت: الشاعر يقول أنه بجانب الرقص والخمر والموسيقى، كان هناك لحم مشوي من أجود أنواع اللحم خصيصًا له.
    كرر كلمة شوي ليدل على أن هناك لحم مشوي كثير.

    شرح وغرد القمري يصيح

    وغرد القمري يصيح *** مللٍ في مللِ

    معاني الألفاظ

    • القمري: نوع من اليمام له رسمة طوق على رقبته، يتميز بصوته الجميل.
    • يصيح: الصياح هو الصوت الشديد.

    معنى البيت: يقول الشاعر إنه في وسط كل هذا من غناء ورقص ولحم مشوي وخمر طيب الطعم والرائحة، وجو عليل كان هناك يمامة تغرد على السقف وتمتعنا، وليس معنى الملل هنا هو الضجر وإنما المقصود هو كثرة التغريد.

    شرح ولو تراني راكبًا

    ولو تراني راكبًا *** عَلى حِمارِ أَهزَلِ

    معاني الألفاظ

    • أهزل: ضعيف.

    معنى البيت: يصف الشاعر حال الحمار الذي كان يركبه بأنه ضعيف جدًا.

    شرح يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ

    الجزء الخاص بوصف الدابة في شرح قصيدة صوت صفير البلبل يبلغ ذروته بالبيت:

    يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ *** كَمَشيَةِ العَرَنجلِ

    معاني الألفاظ

    • ثلاث: يقصد ثلاث أرجل، أي أن الحمار كان يعرج
    • العَرَنجلِ: كلمة ليس لها معنى في اللغة العربية وأقرب معنى لها هو كلمة عنجل، وهو العجوز، فيحتمل أنه تم تصحيفها لتناسب الضرورة الشعرية، ووجه الشبه أن العجوز يتكئ على عصا وكانه يمشي على ثلاث أقدام.

    معنى البيت: الشاعر يصف مشية حماره، وأنه كان يعرج ويمشي بصعوبة.

    شرح وَالناسِ تَرجم جَمَلِي

    وَالناسِ تَرجم جَمَلِي *** فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ

    معاني الألفاظ

    • ترجم: الرجم هو الرمي والقذف بالحجارة.
    • القُلقُلَلِ: ليس لها معنى في معاجم اللغة العربية وأقرب تصور لها أنها هي القلل، وأن الشاعر أضاف لها حروف لتناسب الوزن والغرض من القصيدة.

    معنى البيت: يقول الشاعر أن الناس كانوا يرمون الجمل الذي كان يركبه بالحجارة، رغم إنه قال عنه في البيت السابق أنه حمار أعرج؛ إلا أنه قال عنه إنه جمل ولذلك يكون لسببين:

  • الأول: أن من المعتاد عند العرب أنهم يركبون الجمل عند ذهابهم لمدح أحد الخلفاء.
  • الثاني: أن هذا تعظيم للحمار لما تحمله ولاقاه من رجمه بالحجارة.
  • شرح وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع

    وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع *** خَلفي وَمِن حُوَيلَلي

    معاني الألفاظ

    • كَعكَع الأولى: جنبي.
    • كَعِكَع الثانية: خوفه.
    • حُوَيلَلي: تصغير كلمة حولي.

    معنى البيت: يقول الشاعر أن الناس كانوا متجمعين حوله يخوفونه من كل جهة.

    شرح لَكِن مَشَيتُ هارِباً

    لَكِن مَشَيتُ هارِباً *** مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي

    معاني الألفاظ

    • خشية: خوف واتقاء شر.
    • العَقَنْقِلِي: كوم الرمال، ولا تتناسب مع معنى القصيدة، إلا أنه بجوار جبل “بدر” كوم رمل اسمه العَقَنْقِلِي وهو الذي قٌتل عنده الكفار، فيخاف الشاعر أن يحدث له مثلما حدث للكفار، أي يموت من الرجم بالحجارة.

    معنى البيت: يقول الشاعر أنه هرب من الناس خوفًا أن يقتلوه.

    شرح إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ

    يبدأ طلب العطية في شرح قصيدة صوت صفير البلبل بالبيت القائلًا:

    إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ *** مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ

    معاني الألفاظ

    • مُبَجَّلِ: موقر وله هيبة، ومعظم.

    معنى البيت: يقول الشاعر إنه ترك كل ما كان به لكي يقابل ملك عظيم.

    شرح يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ

    يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ *** حَمراء كَالدَم دَمَلي

    معاني الألفاظ

    • خلعة: ما يُعطى هدية من الملابس.
    • دمل: جرح، أي أنها مثل لون الدم.

    معنى البيت: أنه ذهب للملك لكي يعطيه رداء.. عباءة حمراء اللون، وخصص اللون الأحمر خصيصًا لأنها من الألوان الملكية، وتعطي وقارًا لصاحبها.

    شرح أَجُرُّ فيها ماشِياً

    أَجُرُّ فيها ماشِياً *** مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ

    معاني الألفاظ

    • أجر: أي أنها طويلة لها ذيل يجره وراءه.
    • مُبَغدِداً: متفاخرًا.

    معنى البيت: يصف الشاعر حاله في العباءة التي سيعطيها له الخليفة فسيمشي وهو يلبسها متفاخرًا، يجر خلفه ذيل، وجر الذيل من مواصفات الفخر والتكبر.

    شرح أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي

    أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي *** مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ

    معاني الألفاظ

    • الأَلمَعِي: النجم اللامع في السماء، أو مذنب يدور حول الأرض.

    معنى البيت: يفخر الشاعر بنفسه وأنه أديب لامع في مجاله مثل النجوم في السماء، وأنه يسكن في مكان في الموصل حيث العلم والأدب الغزير.

    شرح نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت

    نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت *** يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي

    وَورد مصدر آخر:

    نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت *** يَعجزُ عَنها الأَدبُولِي

    معانى الألفاظ

    • نَظِمتُ: النظم هو التأليف الشعري، وتجميع الدرر والأحجار الكريمة في عقد.
    • زُخرِفَ: التزين والتحلية بالزخارف.
    • الأَدبُولِي: لم نجد لها سابق في اللغة العربية، لكنها قد تكون بمعنى المُحب للأدب الحافظ له.

    معنى البيت: يقول الشاعر متفاخرًا بفحولته الشعرية: بأنه ألف قصيدة مزينة رائعة يعجز عن حفظها المحب للأدب والحافظ له.

    شرح أَقولُ فَي مَطلَعِها

    أَقولُ فَي مَطلَعِها *** صَوتُ صَفيرِ البُلبُل

    معاني الألفاظ

    • مَطلَعِها: بدايتها

    معنى البيت: يعني الشاعر أن قصيدته هذه كتب في مقدمتها صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ وهذه كلمة سهلة يقدر على حفظها أي أحد، وهذه دلالة على أن القصيدة سهلة، وأنه يتحدى الجميع بحفظها.

    قصة قصيدة صوت صفير البلبل

    بعد أن تناولنا شرح قصيدة صوت صفير البلبل، حان الدور على سرد قصة إلقاء وتأليف هذه القصيدة.

    يُحكى أن الخليفة أبي جعفر المنصور كان لا يُعطي عطايا للشعراء؛ إلا على القصائد التي ينظموها هم، أما القصائد التي ينقلونها من شعراء آخرون فلا عطية لهم، وإن كانت القصيدة من نظمهم فلهم وزن ما كٌتبت عليه ذهب.

    في ذلك الحين كان الخليفة ماهر جدًا في حفظ القصائد، فكان يحفظ القصيدة بعد سمعها مرة واحدة، ولديه جارية تحفظ القصيدة إذا سمعتها مرتين، وعبد يحفظ القصيدة إذا سمعها ثلاث مرات فقط.

    فيسهر الشاعر طوال الليل ينظم في قصيدة من بنات أفكاره، وحين يذهب ويُلقيها على الخليفة أبي جعفر المنصور، يقول له الخليفة أنه قد سمعها قبل هذا اليوم.

    ثم ينادي على الجارية التي تكون مختبئة في مكان ما، ويقول لها هل تذكرين القصيدة التي تقول كذا وكذا، فتقول نعم وتنشدها؛ فهي الآن قد سمعتها مرتين، مرة من الشاعر ومرة من الخليفة.

    ثم يُنادي على العبد الذي كان مختبئ هو أيضًا، فيقول له هل تذكر القصيدة التي تقول كذا وكذا، فيرد: نعم وينشدها له، فهو قد سمعها ثلاث مرات الآن، مرة من الشاعر ومرة من الخليفة ومرة من أخرى من الجارية.

    فيُبهت الشاعر؛ كيف يكون هو من نظّم القصيدة ويجد أن هناك ثلاثة يحفظونها، وبهذه الطريقة لا يأخذ أحد من العطايا شيء.

    عندما رأى الأصمعي حال الشعراء هذا طرأت له فكرة، قام وغير من هيئته ولثم وجه ولبس لبس الأعراب وجر جمل ودخل على ديوان الخليفة مدعيًا أنه رجل أعرابي من الموصل، وألقى على الخليفة هذه القصيدة التي ذكرناها تحت عنوان شرح قصيدة صوت صفير البلبل.

    لم يستطع الخليفة حفظها لصعوبة ألفاظها، ونادى على الجارية والعبد فلم يستطيعا قول شيء، فقال له هات ما كتبت عليها نزِنه وتأخذ ذهبك.

    ردَّ الرجل الملثم (الأصمعي) قال: لقد ورثت عامود رخام عن أبي، نحتت عليه القصيدة لا يستطيع حمله إلا ثمان رجال.

    بعدما ألقى الرجل القصيدة

    وبعدما وزنه وفرغت خزينة الدولة أشار الوزير على الخليفة أنه هذا الرجل لا يمكن أن يكون سوى الأصمعي، لأنه بارع جدًا.

    فطلب الخليفة من الرجل الملثم أن يكشف عن وجهه، فاكتشف إنه حقًا الأصمعي، وطلب منه أن يرد الذهب، فرفض الأصمعي إلا أن يجزي الخليفة الشعراء عن ما نظموه وعن حفظهم أيضًا، فوافق الخليفة أبي جعفر المنصور، وكان الأصمعي هو السبب في إنصاف الشعراء.

    صحة نسب قصيدة صوت صفير البلبل إلى الأصمعي

    بعد أن أوردنا شرح قصيدة صوت صفير البلبل، هناك جانب مهم جدًا يجب الإشارة إليه؛ وهو أن أساتذة الأدب والمؤرخين ينفون نسب هذه القصيدة إلى “عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي” المعروف بالأصمعي المولود في عام 121 هـجريًا – 740 ميلاديًا.

    وذلك لعدة أسباب نذكر أهمها:

  • أن الأصمعي لم يكن يكتب الشعر، وإنما كان راوي وعالم لغة، ولم يَرِد له أي قصائد شعرية.
  • أن الأصمعي لم يتقابل مع الخليف أبي جعفر المنصور، فعندما نبغ الأصمعي كان الخليفة أبي جعفر المنصور قد مات.
    وأن الأصمعي لم يظهر على الساحة إلا عن طريق حاجب الخليفة “هارون الرشيد”، كان يسمى هذا الحاجب “الفضل بن ربيعة”.
  • أن القافية مجرورة في تلك القصيدة المزعومة، فكيف لرجل بقامة الأصمعي العلمية والأدبية أن يجر كلمة مثل الثمل في قوله: “هَيَّجَ قَلبِي الثَمل” وما الذي جرها؟!!
  • الألفاظ الغريبة المنتشرة في القصيدة التي لا يوجد لها أصل في اللغة العربية وحاولنا بشتى الطرق أن ندخلها في اللغة كيف لرجل بقامة الأصمعي أن يقول مثل هذه الأقوال؟ نحو: “وَشاهشُ” و”الأَدبُولِي”.
  • من المفترض أن هذه القصيدة على بحر الرجز، لكنها مليئة بالكسور والأخطاء العروضية والبعد كل البعد عن الوزن.
  • لا يمكن لخليفة عظيم مثل أبي جعفر المنصور أن يكون أفاق هكذا، وإلا لكانت كل كتب الأدب والتصنيفات ذكرت ذلك، وكان الشعراء توقفوا عن مدحه.
  • كان مشهور عن الأصمعي خوفه وحرصه على مال الدولة فكيف يساعد في تبديديها.
  • لماذا هذه المسرحية كلها والعبد والجارية.. كان من الممكن أن يقول الخليفة أني سمعت هذه القصيدة قبلًا ولن يكذبه أحد، أو حتى يقول أنها لم تعجبه ولا يعطيه شيء.
  • بعض الناس -في زمننا هذا- قادرين على حفظ القصيدة بسهولة، فكان من الأولى أن يحفظها هؤلاء الثلاثة.
  • أن الخليفة أبي جعفر المنصور كان يلقبه الشعراء بـ”بالدوانيقي” لشدة حرصه على أموال الدولة، فكيف يَعد الأدباء بمثل هذا السخاء.
  • الحكم على قصيدة صوت صفير البلبل

    مما سبق نستنتج أن هذه القصيدة ليست للأصمعي وإنما هي منحولة، وردت في الكتب الأدبية المحدثة نسيبًا بغرض التسلية فقط، ولم ترد في أي مصدر موثوق، أول ظهور لها كان على لسان قصاص يدعى: “محمد دياب الإتليدي” وهو رجل مُنكر، لا نعرف عنه سوى اسمه وتاريخ وفاته، والمصدر الثاني لرجل مشهور عنه الكذب، وفاسد الرأي يسمى: “لويس شيخو” وكتابه اسمه: “مجاني من حقائق العرب”.

    بذلك نكون قد قدمنا لكم شرح قصيدة صوت صفير البلبل متحرين الدقة في الألفاظ والتراكيب، كما ذكرنا قصة إلقاء القصيدة، ورأي نقاد الأدب في صحتها، ونرجو أن نكون قد أفدناكم.


    شارك