تجربتي في الصوم عن الكلام

منذ 15 أيام
تجربتي في الصوم عن الكلام

تجربتي في الصوم عن الكلام كانت واحدة من ضمن التجارب المؤثرة والمُفيدة، فحتمًا سيكون ذلك رأي كل من قام بالتجربة، فإذا نظرنا للصوم في المنظور الإسلامي سنجده يأتي من الامتناع، ولا ينبغي أن نُقصره على ترك الطعام والشراب، بل هو الامتناع عن كل مسببات إفساده، من هنا نأتي بفكرة الصوم عن الكلام ذاته، لذلك فمن خلال موقع ايوا مصر سأنقل لكم تجربتي في الصوم عن الكلام.

تجربتي في الصوم عن الكلام

 

مرت تجربتي في الصوم عن الكلام بعدة مراحل حتى الإدراك، فكانت النفس في بدايتها غير معتادة على الوضع، وهناك الكثير من الصخب، والكثير من القلق، إلى أن بحثت عن الاسترخاء فوجدته، وقد كان الملل مصاحبًا أحيانًا لكن استبدلته بأمور جعلت منه سرابًا.

ذهبت بذلك إلى الهدوء النفسي والسلام الداخلي، فهو حال المرء مع ذاته لا يشعر به سواه، فجاء من بعدها التأملات والأسئلة والبحث عن الإجابات، ومن ثم يأتي الصفاء الفكري بعد نيل الإجابات والحكمة بعد معرفتها، فمعرفة النفس من أجلّ الأمور وأصعبها، فكلما كان الإنسان تحت سطوة الكلام لا يجد وقتًا لمعرفة حقيقة ما بداخله، كل ما في الأمر هو الحاجة إلى الإرادة لبدء التجربة، والجرأة لخوضها، والإدراك للاستفادة منها.

بعد المرور بالتجربة يكن الاتزان هو الحال، والبهجة مستمرة ودائمة، ويكون المرء بحال غير حاله، إلى الأفضل بالضرورة، وهذا ما سنتحدث عنه في فوائد تجربتي في الصوم عن الكلام، كما سأحاول قدر الإمكان تناول الموضوع من كافة جوانبه.

من شأن الصوم عن الكلام أن يعالج التشتت الذهني، فكثرة الحديث في حد ذاتها تمثل توترًا، فالصمت يأتي من التأمل والحكمة، وليس دلالة على العجز والضعف؛ لذلك كانت نصيحة الخبراء في ضرورة الصوم عن الكلام لما للانعزال من أثر فعال في الاسترخاء والتأمل، وذلك إن حدث بشكل يومي يساعد على التقليل من التشتت أو القلق والصخب المصاحب لكثرة الحديث.

الصوم عن الكلام في القرآن الكريم

استكمالًا للحديث عن تجربتي في الصوم عن الكلام نشير إلى قول الله -تعالى- في سورة آل عمران: “قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” (الآية 41).

فالآية الكريمة ليس بها أمر لسيدنا زكريا بأن يصوم عن الكلام حتى يتم استجاب دعائه، ولا يصح أن نفهم معنى الآية الكريمة أن الصوم عن الكلام إن فعله المرء يكن مستجاب الدعوة، فلا يجب أن يختلط الأمر، إنما كان ذلك علامة من الله ومعجزة لنبيه.

في موضع آخر كان الخطاب للنبيّ زكريّا أيضًا حينما قال الله -تعالى-:

“يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۚ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10)” (سورة مريم).

كما أن هذا الأمر تم توجيهه أيضًا للسيدة مريم العذراء حينما قال الله -تعالى- لها في سورة مريم: “فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا” (الآية 26)، هكذا كان الصوم عن الكلام مذكورًا في القرآن، نصًا صريحًا لا تشكيك فيه؛ لذلك فمن الممكن أن يتبعه المؤمن لما له من فضائل جمة، فكما أشرنا فهو نوع من أنواع الصوم.

فالسيدة مريم عندما تم الافتراء عليها، لم يكن لها سوى الصمت، فأي كلمات يُمكنها استخدامها حتى تدافع بها عن نفسها من ذنبٍ لم تقترفه؟ فحتى في صدقها ليس لها سوى الإمساك عن الكلام وإتباع أمر الله، ليزيدها الله من فضله ويجد لها من يدافع عنها، وهو رضيعها الذي أنطقه الله بإذنه.

حكم اتخاذ الصوم عن الكلام سُنة

جدير بالذكر في إطار الحديث عن تجربتي في الصوم عن الكلام أن نشير إلى أن الصوم عن الكلام من أجل العبادة والتقرب إلى الله -عز وجلّ- لا يجوز ويعتبر من البدع، ذلك أن النهي عن هذا الأمر مذكور في السنة النبوية الشريفة في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

“بينما النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يخطُبُ، إذا هو برجُلٍ قائمٍ، فسأَلَ عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيلَ، نذَرَ أنْ يقومَ ولا يقعُدَ، ولا يَسْتظلَّ، ولا يَتكلَّمَ، ويصومَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُرْه فلْيتكَلَّمْ، ولْيَسْتظِلَّ، ولْيَقعُدْ، ولْيُتِمَّ صَومَه” (صحيح).

ذلك أن العبادة لا يكون فيها المشقة على النفس، فالدين يسر وسماحة، ومن العسر ومن غير المألوف أن يصوم الناس عن الكلام، فالصوم المفروض هو الصوم العام وليس عن الكلام، أما الصوم عن الكلام فهو من قبيل نيل الفضل من الأمر ليس إلا ومراجعة النفس، ذلك إن كان من الضرورة ما يفعل المرء كذلك، دون أن يتأثر سير حياته بالأمر.

كما أننا نشير لموضع آخر حتى لا يختلط الأمر على البعض، فالسكوت في غير محله أمر غير جائز، فمن يصمت عن الكلام لذاته فقط دون ضرر الغير ليس عليه حرج، أما الصوم عن الكلام في الوقت الذي يجب أن يكون فيه الكلام واجب هذا غير صحيح.

نعني بذلك أن الصمت عن المباح ليس فيه من طاعة الله شيء، بل الساكت عن الحق هو الشيطان الأخرس، دلالة على أن قول الحق في موضعه واجب، ومن انحرف عن ذلك بحجة صمته عن الكلام فهذا غير جائز.

أهمية الصوم عن الكلام مقابل كثرة الحديث

إن الصوم عن الكلام يذكرنا بضرورة الإنصات، بالتالي لا نحكم على مجرد الظنون، بل نفهم حقًا ما يرغب الناس في قوله إن كنا صامتين، كما أنه يجعل المرء مع ذاته فقط، وبالتالي يهيئ له الفرصة في الحديث مع النفس ومراجعتها والعمل على تهذيبها وتعليمها الفضائل، ففي الصمت حكمة ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

حيث إن كثرة الحديث تجعل المرء يقع في الغلط واللغو الذي ضرّه أكثر من نفعه، كما أن الحديث بكثرة يجعل المرء تحت سطوة لسانه، فهو من يجعله خطّاء وهو من يجعله يتعهد وينذر ويهدد، فكل كلمة تخرج من المرء هي بمثابة العهد على نفسه بتنفيذها، فيظل محكومًا بها.

أمّا عندما يختلي الإنسان بنفسه، فإن لذلك فوائد عدة منها ما يجعله مُتأملًا فيما حوله من شئون، فيرى التناقضات والجدليات، ويُحدث نفسه ويعمل على محاسبتها، ويراجع كل ما وقع فيه من الخطأ ليتفقد صوابه؛ لذا فإن الصوم عن الكلام يجعل المرء مُدركًا لحقائق الأمور.

فكثرة الكلام والحديث اليومي يجعل دماغ الإنسان محتفظًا بكم رهيب من المعلومات، منها ما هو نافع ومنها بلا جدوى، مجرد ازدحام في الفكر، ثم ازدحام ومزيد من الازدحام إلى أن يصل الأمر به إلى التشتت، فلا يستفيد مما هو نافع من المعلومات ولا يستطيع تجنب ما هو ضار منها.

إن كثير الكلام قصير الفعل، هذا ما نجده في الكثير من الحالات التي تعاني من ضوضاء وصخب كثرة الكلام، فالكلام الزائد عن الحاجة الذي أصبحنا نعاني منه في عصرنا الحالي، من أهم مسببات الشجار مع الناس بل الأقربون منهم.

علاوةً على الجدل في أتفه الأمور، وترديد ما ليس به نفع، فهذه المشكلة تتفاقم بشكل كبير ويُمكن أن تؤدي لمشاكل أكبر من كونها إهدارًا للوقت، الذي أمرنا الله ألا نفطر فيه، فيقول رسولنا الكريم في حديث الشريف -صلى الله عليه وسلم-: “لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ” (صحيح).

الصوم عن الكلام للحمل

يرى البعض بأن للصوم عن الكلام عدة أغراض، فمنها ما هو ابتغاء للذرية الصالحة، ذلك اقتداءً بما حدث مع نبيّ الله زكريا، والسيدة مريم العذراء، فيُقال في فائدة الصوم عن الكلام أن من تقوم هي وزوجها بالصوم لمدة 3 أيام على الأقل عن الكلام والتزام الصمت، سيرزقها الله -تعالى- من فضله بأن تحمل، ذلك ما يُقال فيه أنه العلم الربانيّ.

لكن أشير من خلال ما استفدت منه من تجربتي في الصوم عن الكلام إلى أنه لا يوجد في الدين الإسلامي ما يشير إلى علاقة الصوم عن الكلام بطلب الذرية والحمل، إلا ما ذكر من آيات قرآنية خاصة بنبيّ الله زكريا والسيدة مريم -رضي الله عنها- وكذلك سيدنا إبراهيم الخليل، وهنا وجب علينا الإشارة إلى أمر في غاية الأهمية.

ذلك أنه ليس كل معجزة أصابت نبي أو رسول يُمكن أن تجعل المعجزة اعتياد على البقية أو حتى سُنة، فإذا خصَّ الله عبده بفضل منه وأمر غير مألوف، هذا لا يعني إتباع الطريقة ذاتها من أجل نيل الفضل ذاته، ذلك أن ابتغاء الذرية الصالحة من الله يكون بالدعاء والإلحاح في الدعاء.

كما أنه يكون من خلال الأخذ بالأسباب وطلب الفضل من الله والإيمان بالنصيب النافذ، حيث إن ما أتاه الله من فضل للأنبياء إبراهيم وزكريا كان بعد ابتلائهما بالانتظار، فكانت الذرية جزاءً لهما على صالح العمل والعبادة والطاعة.

نشير هنا إلى قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

“دَخَلَ أبو بَكْرٍ علَى امْرَأَةٍ مِن أحْمَسَ يُقَالُ لَهَا: زَيْنَبُ، فَرَآهَا لا تَكَلَّمُ، فَقالَ: ما لَهَا لا تَكَلَّمُ؟ قالوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، قالَ لَهَا: تَكَلَّمِي؛ فإنَّ هذا لا يَحِلُّ، هذا مِن عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ، فَتَكَلَّمَتْ” (صحيح البخاري).

يحمل الحديث إنكارًا لأي بدعة من الممكن أن يتخذها المسلمون سنة من أجل نيل شيء معين، فأولًا وأخيرًا ليس أنفع للعبد من التسليم لحكم الله والرضا بقضائه.

وجوب الصمت عن الكلام

أمّا إذا كان الحال غير ذلك، فهنا نستند إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ” (صحيح مسلم)، فهنا يستوجب الصمت إن كان المرء لا ينوي في كلامه خيرًا، فعلى سبيل المثال، إن كان هناك حالة من الضيق والكرب لدى البعض إمّا أن تهون عليهم الأمر وإما أن تصمت، فلا مجال للتهريج أو ما إلى ذلك، وهذا مثال بسيط فمن الحالات ما هو أعظم وما يكون واجبًا فيها الصمت عن الكلام.

حيث إن الصوم عن الكلام هنا في موضعه الأصيل يكون بمثابة عبادة إلى الله -عز وجل-، كذلك الحال بالنسبة إلى الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فيكون الصامت وقت شروع الصمت مأجور من الله -عز وجلّ- وله عظيم الثواب.

بما أن الصوم عن الكلام جزءًا لا يتجزأ من الصوم بمفهومه العام الشامل الذي هو عبادة من أهم العبادات المفروضة، فإننا نجد أن الصوم عن الكلام في فترة معينة يتزين ويكتمل معناه إن صاحبه الصوم الكامل، ذلك ليأتي بنتائجه المرجوة.

اقرأ أيضصا: أقوال الحكماء عن الصمت

فوائد الصوم عن الكلام

من خلال تجربتي في الصوم عن الكلام أدركت أن لهذا الأمر عدة فوائد، أخبركم منها ما يلي:

  • أنها تعمل على السيطرة على النفس وكبح شهواتها، والعمل على التوازن، مع جعل الإنسان في محاولة لجعل ذاته من الأسوياء.
  • أنها تشجع على اختيار الكلمات والألفاظ الصحيحة في وقتها المناسب، فلا يقول المرء هراءً وما لا يجدي في غير موضعه.
  • إن الصمت يعمل على زيادة التركيز، حيث إن كثرة الكلام كما ذكرنا تعمل على التشتت الذهنيّ، وبالتالي في مقابله يعمل الصمت عن الكلام على صفاءً نفسيًا وذهنيًا، والشعور بالسلام الداخلي.
  • إن الصوم عن الكلام يُعطي المرء مزيدًا من القوة والوضوح فيما يفعل.
  • علاوةً على كل ما سبق، فإن الصوم عن الكلام يزيل الحواجز بينك وبين الله -عز وجلّ-، فتعطي لنفسك الفرصة كي تتأمل في قدرة الله -تعالى- ومن ثمَّ تقوم بمعرفة الخالق بأعمق مفهوم.
  • يُمكنك اكتشاف ذاتك عندما تصمت، وإذا كانت لديك مشكلة يجعلك الصمت قادرًا على تحليل أسبابها والعمل على حلها، بل تفهم رسالتك الكبرى في الحياة والحكمة من الوجود.
  • يُعطيك الصوم عن الكلام قفزةً واضحة في بصيرتك وعقلك المستنير، ويجعلك قادرًا على الإبداع والإلهام.
  • من أهم ما يفعله الصوم عن الكلام أنه يقلص من تعلقك بالأشياء المادية، ويجعلك تميل أكثر للمعنويات.
  • عندما تصوم عن الكلام تتخلص من الطاقات السلبية حولك، وبالتالي لا ترى ما يزعجك من المحيطين بك؛ لأنك لا ترد من الأساس.
  • إذا كان لديك شغفًا أو موهبة ما كامنة، يفجرها الصوم عن الكلام، ويجعلها ظاهرة مرئية لك فتهتم بها وتطورها.
  • يُمكن من خلال الصمت أن يتجنب المرء التورط في المشاكل، كما أنه يقوم بتدريب المرء على التقبل والتغاضي عن صغائر الأمور.

كن أكثر استماعًا خير من أن تكن أكثر كلامًا، فبعدما قدمت لكم تجربتي في الصوم عن الكلام أشير إلى أن المرء يجب أن يتحلى بالصمت قدر إمكانه؛ حتى لا يورط نفسه فيما لا يعنيه، وحتى لا يكون الكلام هراء ولغوًا للحديث، وهذا هو ما نهى الله -عز وجل- عنه.


شارك