كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب؟
كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب وهل كل الذنوب لها توبة وما شروط التوبة النصوح.. وغيرها من الأسئلة التي تدور في خلدِ الكثير من المسلمون، فقد دعانا الله تعالى إلى التوبة في مواضع صعب حصرها في القرآن الكريم والسنة النبوية والأحاديث القدسية.
فباب الله مفتوح لعباده التائبون في أي وقت ما لم تبلغ الروح الحلقوم، قال الله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” (الزمر 53).
في ذلك الموضوع على موقع ايوا مصر سنتناول قول الفقهاء في إجابة سؤال كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب.
كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب
قد أمرنا الله تعالى ودعنا إلى التوبة في أكثر من موضع في الشريعة الإسلامية ففي القرآن الكريم قال:
“… إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة 222).
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (التحريم 8).
” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (آل عمران 135).
وغيرها الكثير من المواضع التي يصعب علينا حصرها لضيق المقال، وفي الحديث القدسي الذي رواه أنس ابن مالك عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
” قال اللهُ تعالى: يا ابنَ آدمَ! إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي، يا ابنَ آدمَ! لوْ أنَّك أتيتَني بقُرَابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشركْ بي شيئًا لأتيتُك بقرابِها مغفرةً” (الجامع الصغير 6047)
أحاديث من السنة النبوية تحث على التوبة
في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم نجد مئات الأحاديث التي تدعو إلى التوبة نحو:
عن أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب عليكم” (رواه ابن ماجه 4248).
- عن أبي عبيد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
- “التائب من الذنب كمن لا ذنب له” (رواه ابن ماجه 3446)
- عن أنس ابن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون” (رواه الترمذي 2499)، وغيرها الكثير من الأحاديث، لا نذكرها على سبيل الحصر لكن على سبيل الإشارة ولفت الانتباه.
فالله تعالى هو التواب عن عباده يقبل توبتهم في أي وقت وكل حين، مرارًا وتكرارًا لأن الإنسان صادق في توبته، فلا يوجد من ليس له توبة من عمله كما ذكرنا في الحديث القدسي السابق “يا ابنَ آدمَ! لوْ بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لكَ ولا أُبالِي” فلا حد أقصى للذنوب التي عليها توبة، ولكي يتوب المسلم من ذنب عليه أتباع بعض الشروط
شروط التوبة النصوح
كما ذكرنا آنفًا ونكرر أن المسلم مأمور بالتوبة في أسرع وقت وأن باب الرحمن مفتوح على مصراعيه للتائبين، وشروط التوبة النصوح هي..
إذا كان الذنب لا يتعلق بعبد من عباد الله، أي أن الإنسان أرتكب المعاصي وظلم نفسه فقط ولم يظلم أحد من عباد الله عليه:
- الإقلاع عن المعصية والذنب هذا، بألا يفعله مرة أخرى ويجاهد نفسه بشتى الطرق على الوقوع فيه مرة أخرى.
- الندم الصادق على المعصية.
- أن يكون الإنسان متفهم مدى كبر الذنب الذي أرتكبه ونادم على فعله ندم صادق.
- العزم والتصميم على عدم العودة لذلك الذنب مرة أخرى.
- أن تكون التوبة هذه قبل الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها (يوم القيامة) لذا يجب على المسلم المسارعة بالتوبة في أقرب فرصة لقول الله تعالى في محكم التنزيل:
“إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)” (النساء).
هذه هي شروط التوبة وطريقة التوبة باختصار، إلا إذا كان الذنب متعلق بعبد من العباد وحقوق العباد يجب على المسلم التائب رد تلك الحقوق إلى أصحابها، وهذا نيل المراد لمن يتساءل كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب.
شرط التوبة من حقوق العباد
فإذا كانت مال أو ما شابهه فيجب رده إلى أصحابه، وإذا كان قذف أو نميمة وما إلى ذلك أستحل منها بطلب العفو من أصحابها حتى لا يقع الإنسان في الموقف الذي حكاه لنا الرسول في حديث المفلس..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ” (صحيح مسلم 2581).
فحقوق العباد ليس منها توبة إلا ردها، وإلا سوف يأخذون حقوقهم يوم القيامة كما بين الحديث، قال الفقهاء في حال أن الإنسان إذا سعى جاهدًا بشق نفسه أن يرد الحقوق إلى أصحابها لكنه لم يستطع فعليه أن يتصدق بقيمتها، على أمل إذا وجد أصحابها في الدنيا يردها لهم وإذا مات قبل ذلك يأخذون حقهم في الآخرة.
كما أن للعبد التائب أن يكثر من عمل الحسنات لأمرين:
أولهما: قال الله تعالى:
“وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِين” (هود 114).
ثانيهما: هو أن العباد يوم القيامة سوف يأخذون حقوقهم التي قد يطالبون بها ولا يعفون عنها، والحكم العدل سيوفيهم إياهما كما وعدهم.
دعاء الاستغفار “سيد الاستغفار
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من صيغة دعاء يقولها المسلم حتى يستغفر الله عن ذنوبه ومن هذه الأدعية الدعاء المشهور بـ(سيد الاستغفار)..
عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ. ” (صحيح البخاري 6306).
في هذا الحديث يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأفضل صيغ الاستغفار وهو مناسب لمن يتساءل كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب.
تفسير دعاء سيد الاستغفار
في مفتتح الدعاء يقر العبد بالربوبية لله تعالى والألوهية والخلق بقوله: “اللَّهمَّ أنتَ ربِّي، لا إلهَ إلَّا أنتَ، خلقْتَني”
بعد ذلك يقر بالعبودية في قوله: “وأنا عبدُكَ”، ومن تمام عبودية العبد أن يلتزم بالتوحيد والعهد الذي أخذه الله على عباده والشرع فيما أمر به الله تعالى ونهى عنه فيقول العبد التائب “وأنا على عهْدِكَ ووعدِكَ” أي أنه مصدق به ومعترف بالعهد وأنه يعمل به وقيده بالقُدرة على فعله في قوله: “ما استطعْتُ”.
كذلك في ربط العبد العمل بالاستطاعة إقرار صريح منه بضعفه الإنساني واحتياجه إلى توفيق المولى عز وجل
في قول العبد:
“أعوذُ بِكَ مِنْ شرِّ ما صنَعْتُ” أي أنه يحتمي بالله تعالى من شر ما يرتكب من ذنوب وينسبها إلى نفسه، وإقرار من العبد أنه لا يغفر الذنوب إلا الله تعالى وذلك لكمال ملكه وعظمته.
“وأبوءُ لَكَ بنعمتِكَ علَيَّ” أي أن تلك الذنوب التي أرتكبها العبد لم تكن بسبب أن العبد جاحد لنعمة الله عليه، بل هو مقر بتبلك النعم، لكنه وقع في المعصية لهوى في نفسه ولضعفه ولجهله.
فضل دعاء سيد الاستغفار
بعد ذلك يكمل الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه ويبين فضل هذا الدعاء فيقول “ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها” أي أن يقولها الإنسان بلفظها وهو متيقن بمعناها في قلبه كما شرحنا سابقًا.. “فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ” فقبض روحه الله تعالى قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة.
“مَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها” أي من قال هذا الدعاء وهو متيقن بمعناه في قلبه حين أمسى الليل ومات قبل أن يصبح عليه النهار “فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ” فهذا دعاء جميل جدًا لمن يتساءل كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب؟
بذلك نكون قد نقلنا لكن إجابة سؤال كيف أتوب إلى الله من جميع الذنوب من أقوال الفقهاء والمفسرين، وبينا فضل التوبة والآيات المشجعة عليها، ندعو التواب الرحيم أن يتقبل منكم ومنا صالح الأعمال وأن يعفو عن خطيانا والصلاة والسلام على نبينا وشفيعنا يوم الدين.