معنى اسم الله البارئ في المعجم
معنى اسم الله البارئ ذو دلالة عظيمة في نفس كل مؤمن بالله تعالى، فهو من أسماء الله تعالى الذي ذكره الله لنا في كتابه الكريم، واهتم بتفسير معناه المفسرون والفقهاء، لذلك سنتناول في هذا الموضوع على موقع ايوا مصر أهم ما ذكره علماء اللغة والمفسرون عن اسم الله البارئ.
معنى اسم الله البارئ
ينقسم معنى اسم الله البارئ إلى شقين رئيسين: من ناحية الاصطلاح ومن الناحية اللغوية؛ وهنا وجب التفصيل:
معنى اسم الله البارئ اللغوي
يعود الأصل الاشتقاقي لكلمة “البارئ” في اللغة العربية إلى الجزر اللغوي: (ب رَ أَ) يُقال في اللسان العربي: برَأَ يَبرَأ، بُروءًا وبَرْءًا، وبرأ الله الخلق أي أنشأهم من العدم.
كما أنها تٌنسب إلى الجزر اللغوي: (بَ ر ا)، وهو حين ينسب الله الله تعالى يعني الخلق أيضًا (معجم لسان العرب).
بينما قال محمد بن أبي بكر الرازي في معجمه (مختار الصحاح): “( ب ر أ): “بَرِئَ منه ومن الدين والعيب سلم وبرئ من المرض بالكسر بُرْءاً بالضم وعند أهل الحجاز بَرَأَ من المرض من باب قطع وبرأ الله الخلق من باب قطع فهو البَارئُ والبَرِيَّةُ الخلق تركوا همزها إن لم تكن من البري وأبرأَهُ من الدين وبرّأَهُ تبرئَةً”
في شعر محي الدين بن عربي قال:
“فما هوَ لي بعضٌ ولا أنا كلهُ *** وما ثم كلّ غير ما برأَ الباري”
بذلك نجد أن المعنى اللغوي لاسم الله البارئ هو الخالق والمنشئ، ويذكر علماء اللغة العربية مثل “ابن جني” أن الراء مع الهمزة إذا اجتمعا في الكلمة الواحدة فيرتبط المعنى في اللغة في ناحيتين الأولى: بالخلق، والثانية هو التباعد بين الشيء والشيء الذي يزوله، مثل وصف شفاء المريض من المرض بالبراء.
معنى اسم الله البارئ الاصطلاحي
الله تعالى هو من سمى نفسه باسم البارئ وهذه الصفة ثابتة بالكتاب والسنة، من خلال المعنى اللغوي نفهم أن المعنى الاصطلاحي لاسم الله البارئ:
- الموجد من العدم والمبدع والخالق من العدم المنشئ للخلائق جميعها (هذا المعنى اللغوي الأول).
- فصل الخلائق عن بعضهم البعض وتميزهم عن بعض بالمميزات الخاصة (هذا المعنى اللغوي الثاني).
في المعنى الاصطلاحي لاسم الله البارئ قال الزجاج: “يقال برأ الله الخلق: إذا فطرهم وخلقهم وأوجدهم، فكل مبروء مخلوق”.
أدلة اسم الله البارئ الشرعية
كما قلنا آنفًا أن اسم الله البارئ هو من سمى به نفسه، فلا يجوز تسمية الله تعالى باسم من ابتكارنا فالأسماء والصفات من العلوم التوقيفية وليست توفيقية؛ والأدلة الأصولية لاسم الله البارئ هي:
أدلة اسم الله البارئ في القرآن
-
في سورة الحشر قال الله تعالى: “هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (24).
-
في سورة البقرة قال الله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (54).
أدلة اسم الله البارئ في السنة
لم يرد اسم الله البارئ في السنة النبوية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن الإمام الشافعي رحمه الله ٌد أورد حديثًا للأبي جحيفة قال: ” سألتُ عليًّا فقُلت: هل عندَكُم من رسولِ اللَّهِ شيءٌ سوى القرآنِ؟ فقالَ: لا، والَّذي فلقَ الحبَّةَ وبرأَ النَّسمةَ، إلَّا أن يؤتِيَ اللَّهُ عبدًا فَهْمًا في القرآنِ، وما في الصَّحيفةِ قُلتُ: وما في الصَّحيفةِ؟ قالَ: العَقلُ، وفِكاكُ الأسيرِ، وألَّا يُقتَلَ مؤمِنٌ بِكافرٍ” (الأم 9/135).
معنى اسم الله البارئ من الأدلة القرآنية
كما ذكرنا سابقًا معنى اسم الله البارئ الاصطلاحي هو الخلق والإنشاء من العدم والتفرقة بين العباد بالمميزات الخاصة إلا أنه في القرآن الكريم ورد معاني خاصة أخرى يراها بعض المفسرون ولا تخالف الشرع، نحو:
-
في لغة العرب يقولون التراب هو البريّ، وعلى هذا مع الجمع بآية سورة طه: “مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى” (55) فإن البارئ هو الذي خلق الإنسان من تراب.
-
البارئ هو الذي خلق السماوات والأرض خاليتان من عيب أو فتور فهما بريئتان من ذلك وذلك لقول الله تعالى في سورة الملك: “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ” (3).
- أن البارئ هو قالب الأعيان، أي أن الله تعالى أبدع المخلوقات مثل الماء والتراب والنار والهواء من لا شيء ومن ثم خلق منه المخلوقات المتنوعة، وقال ذلك في محكم التنزل في مواضع عدة نحو:
-
الماء أصل الخلق في قوله: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” (الأنبياء 30).
-
البشر مخلوقين من طين في قوله: “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ” (ص 71).
-
خلق الإنسان -بني آدم- من النطفة، في قوله تعالى: “خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ” (النحل 4).
-
خلق الإنسان من الطين والجان من نار في قوله: “خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (15)” (الرحمن).
-
جمع الله هذه المعاني في سورة المؤمنون: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)”.
بذلك نكون قد تناولنا أقوال العلماء في معنى اسم الله البارئ لكنا فتحنا باب لا بد أن نخوضه وهو الفرق بين البارئ والخالق وما العلاقة بينهم.
العلاقة بين اسم الله الخالق والبارئ
يظهر جليًا مما سبق أن هناك اشتراك دلالي بين اسم الله الخالق واسم الله البارئ قد يصل إلى أنهما متطابقان، إلا أن العلماء قد فرقوا بينهم على عدة أقوال نحو:
- يرى ابن الأثير أن لفظ البارئ من المخصوص به هو الحيوان (ما له روح عكس الجمادات) بينما الخلق للجمادات وقليل ما تخرج عن ذلك المعنى.
- يرى الخطابي مثل رأي ابن الأثير أن البرء هو خلق الحيوانات ذات الروح، والخلق في السماوات والأرض والجبال وما إلى ذلك، فالخلق أعم واشمل من البرء الذي هو متخصص في الحيوان فقط.
- ابن كثير فرق بين البرء والخلق بصورة أخرى فقال: “الخلق هو التقدير، والبرء هو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود”.
فالله تعالى في مراحل إيجاد الشيء:
- يقدر المخلوق في خلقه وعلم الله تعالى السابق وعلم الغيب
- التنفيذ لما قرره وإبرازه إل الوجود وهنا هي مرحلة البرء، وليس كل من قرر شيء يقدر على تنفيذه وإيجاد خلقه من العدم.
- يرى الحليمي بالرأي الذي ذكرناه آنفًا بأن البارئ من معناه قلب الأعيان مخلوقات أخرى بعد خلقها، بجانب المعنى الأول الخلق.
كما يرى أن البارئ هو الموجد لما كان في العلوم وذلك من قوله تعالى: “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (الحديد 22).
فالله تعالى قال في الآية الكريمة “قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا” ولم يقل من قبل أن نخلقها، وهذا يؤكد فكرته.
النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
كما ذكرنا المعاني العظيمة وراء اسم الله البارئ كان لا بد أن نرى قول الفقهاء حول حظ المؤمن من اسم الله البارئ، ومن أقوالهم:
الشق الأول في النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
المؤمن يجب أن يحاسب نفسه باستمرار وأن يجرى دراسة جدوى لحياته بصورة شبه يومية وخطط مستقبلية، فلا يعيش حياته عبثًا مثل الحيوان، فيَبرأ من ذنوبه أول بأول ويُبرأ لنفسه حياة أفضل وقال العلماء سبيل ذلك على أربع خطوات للمحاسبة الذاتية، هي:
المشارطة
أن يخطط المسلم يومه ويشترط على نفسه ما يجب عليه تحقيقه وإذا أخل بالشرط يحاسب نفسه.
المحاسبة
بعد انتهاء كل يوم قبل النوم يجب على المسلم محاسبة نفسه على ما وقع في ذلك اليوم.
المعاتبة
أن يعاتب نفسه بعد الخطوتين السابقتين إذا رأى تقصير في أعماله، لكن لا يصل المعاتبة إلى درجة جلد الذات حتى لا تُحدث أثر سلبي، ويذكر نفسه بالأجل المحتم الذي يدق الباب كل يوم وأن الوقت الذي يمر هذا هو رأس المال الذي يمتلكه.
المعاقبة
معاقبة النفس إذا تكرر الخطأ والمعصية بالحرمان من شيء تحبه من المباحات مثل الترفيه أو ما شابه.
بذلك كل يوم يبرأ المسلم مما سبق ويتوب إلى الله تعالى إلى أن يعود إلى الإلمام بزمام أمور نفسه.
الشق الثاني في النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
من معاني اسم الله تعالى لبارئ برأ الشيء أي تخلص، ومن هذا المعنى يسعى المؤمن إلى تنزيه نفسه من كافة الأخلاق التي تنقص من قدره والآفات والعيوب.
الشق الثالث في النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
التماس الأعذار لغيره حتى يعتذر لله عما فعل، وهذا هو الإعذار.
الشق الرابع في النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
كما قلنا أن معنى البري هو التراب الذي خُلق منه الإنسان، فبعد إيمان الإنسان بذلك كيف له أن يتكبر ولما له أن يتكبر وهو من تراب؟!
الشق الخامس في النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
تحقيق عقيدة الولاء والبراء فيبرأ من أشياء ويوالي أخرى نحو:
- البراء من كل دين يخالف دين الله عز وجل.
- البراء من كل الشهوات التي تخالف دين الله عز وجل.
- البراء من كافة النصوص التي تخالف القرآن الكريم والحديث النبوي الصحيح.
- البراء من كافة الأديان التي تخالف شرع الله عز وجل.
- البراء من كل البدع التي تخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
- البراء من المعاصي التي تكون سبب في إبعاده عن طاعة الله عز وجل.
الشق السادس في النعمة العائدة على المؤمن باسم الله البارئ
الله تعالى برأ الخلق على هذه الصورة المبدعة التي ليس لها مثيل سابق وخلق الإنسان في أحسن تقويم فحري بالإنسان أن يتقن عمله فيما يستطيع على اصورة التي قام بها غيره من قبل أو يبتكر في عمله ما لم يقم به أحد.
فالدقة في الصناعات من صفات المؤمنين وهي التي يتلبس بها العبد باسم خالقه البارئ
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ” (صحيح الجامع 1880).
بذلك نكون قد أوردنا معنى اسم الله البارئ من الناحية اللغوية ومن الاصطلاح في الشريعة الإسلامية والعلاقة بين اسم الله الخالق والبارئ والنعم العائدة على المؤمن باسم الله البارئ، ندعو الله أن يكون قد وفقنا لما يحبه ويرضاه والصلاة والسلام على سيدنا وشفيعنا يوم الدين.