اخبار مصر

مصطفى الفقي يكتب: الزعامات وفلسفة التاريخ

تعتمد الطريقة التي يؤطر بها المؤرخون الأحداث ويتابعون مجرى الأحداث على الانتماءات السياسية والمعتقدات الفكرية. وذلك لأن الكتابة المحايدة والعادلة والموضوعية عن تاريخ الأشياء وتطور الأحداث هي جوهر الفلسفة الحقيقية لما يجب أن تكون عليه كتابة التاريخ وبالتالي قراءته.

 

ونلاحظ مثلا أن عبد الرحمن الرافعي في مصر عندما كتب تاريخ عصره تأثر أيضا بعدائه لحزب الوفد وانتمائه للحزب الوطني، وهو ما أدى إلى كتابة التاريخ في مصر فقد خضعت في العقود الأخيرة لعناصر الحداثة وطبيعة الحكم، فتغيرت الألوان السياسية وحتى الآراء والأفكار حسب الأهواء والأذواق والانتماءات والميول. وأتذكر دائماً مقالاً بعنوان “مكر التاريخ” للفيلسوف العربي المعاصر د. فؤاد زكريا، والتي كتبها بمناسبة مرور 200 عام على الحملة الفرنسية. اختلف معه البعض، وتحمّس له البعض الآخر، لكنه ظل صادقا في رأيه، وآمن بما قاله ودافع عما كتبه مقدمة لتذكير الجميع بأن كتابة التاريخ المعاصر هي أن العديد من دول العالم خضعت لتأثير الأفكار . كانت الدولة “المقاتلة” رحمه الله تقال، وكلما أتيت شخصياً إلى العاصمة البريطانية وجدت أن “طريق كرومويل” كان تقريباً أطول طريق يصل إلى قلب العاصمة، على الرغم من أن كرومويل تمرد على النظام الملكي وأصبح محط استهجان وفي عهده لم يفكر أحد في تغيير اسم الشارع كما فعلنا في مصر وغيرنا اسم “شارع الملك فؤاد” إلى “شارع 26″. يوليو”. من الشارع وشارع سليمان باشا إلى شارع طلعت حرب وغيرها من الأسماء التي ارتبطت بمراحل تاريخية معينة، ولكننا رأينا وسط الحماس الثوري أن تغيير الأسماء كان تغييرا في التاريخ ككل يعني ما ليس صحيحا عنه احترام القصة وليس شخصياتها. نادراً ما نجد هذه الظاهرة في الدول المتقدمة وبين الشعوب الواعية، ولكننا نراها تتكرر في معظم الدول النامية، وأعتقد أن قدسية التاريخ يجب أن تظل موضع اهتمام واهتمام وألا تصبح أبداً موضع تصفيق سياسي وتصفيق. الفكرية يمكن أن تصبح مؤثرة. والتشبيه معروف في حالات مماثلة في بلدان مختلفة حول العالم. ما أريد قوله هنا هو أن فلسفة التاريخ أعمق من الفلسفات الأخرى والبعض يتحدث عن التاريخ يعيد نفسه وقد يكون ذلك صحيحا ولكن ليس بالضرورة قد يتكرر وقد تتشابه الشخصيات ولكن يبقى مسار القصة مختلفا. ومن عصر إلى عصر حاولت إسرائيل على سبيل المثال – محو الهوية الفلسطينية، لكنها الآن وبعد أكثر من ثمانية عقود باءت بالفشل، ولا تزال الأسماء العربية التاريخية للمدن والمواقع مرتبطة بها، رغم كل عمليات التهويد. التي يمارسها عملاء إسرائيل ووطنها على مدى العقود الماضية، وهنا لا بد من الإشارة إلى غياب العدالة أحياناً عندما… يتم تقييم القيادة وتكريم بعض القادة، حيث يبدو الأمر كما لو هناك انحياز بين البعض على حساب البعض الآخر. هناك الكثير من الناس التي أقيمت لهم الأماكن ووضعت أكاليل الغار على رؤوسهم، وهناك الكثير ممن محيت أسماؤهم واختفت أعمالهم، كما رأينا في بعض الحالات نستعيد المراحل التي مر بها التاريخ الفرعوني، ولكن الحقيقة تظهر في النهاية، والحقيقة لا تختفي تمامًا، ولكنها تحتاج دائمًا إلى من يكشفها ويمهد لظهورها، ونلاحظ دائمًا أن هناك تغييرات بعضها خارج الحدود يخرجون ويحولون المساجد إلى كنائس والكنائس إلى مساجد ولنا في (آيا صوفيا) شواهد يا قلوب نحترم الحقيقة التاريخية ولا نرحب بالتلاعب فكم في التحريف من المواقف لصالح الجماعات البشرية، قادة جدد أو قائد جديد يحدث، ولأن الحياة (تحالف الأحياء) هي المواجهة مع من عبروا أو سيتقاطعون؟ عبور إذن… من بيده السلطة يمكنه أن يترك بصمات أصابع وينشر الاتهامات أيضاً، وعندما لا ينصف التاريخ الأموات وأحياناً لا الأحياء أيضاً، فيجب أن نتعلم منه ونعي ذلك من الممكن إخفاء بعض الحقائق لفترة معينة أو ادعاء البطولة لفترة أخرى، ولكن يبقى الحق والحقيقة بتأثيرها على القوى من كل جانب، وقد نسينا أن البطل أحمد عرابي هو القائد بعد عودته من منفي في (سرنديب) بصق في اتجاهه بعض الجهال واعتبروه سبب احتلال الإنجليز وغزوهم لمصر؟ وعلى إثر ذلك سخر منه أحمد شوقي بقصيدة مؤلمة. هناك مظالم كثيرة في محادثاتي الماضية وهنا أيضا أطالب بعرض عادل للتاريخ بموضوعية تامة في التعامل معه وفي رواية أحداثه، مع ضرورة الحرص على الدقة والحرص على الصدق المطلق حتى يتمكن أطفالنا وأبنائنا من الأحفاد واضحون في توارث الحقائق وتاريخ وطني صحيح. أدرك حالياً أن عدداً من الدول العربية، منها مصر والسعودية وغيرها، تحاول جميعها إعادة كتابة التاريخ بطريقة صحيحة تعيد الاحترام لمن يستحقه، وتسحب الاحترام ممن لا يستحقه، لا رحمة ولا رحمة. المغفرة، وتاريخ أمتنا العربية حافل بالمجد، سواء كان ذلك في الحضارة العربية الإسلامية، أو حتى خلال الحضارات التي سبقتها في جميع أنحاء المنطقة، فنحن نستحقها أكثر من غيرنا، حقوقنا وحتى حقنا في استعادة ممتلكاتنا بعد طول انتظار. سنوات من القمع والاغتصاب الفكري والمادي، وعلينا أن ندرك أننا جميعاً نؤمن بأن الحق وحده هو الحق، وأنه من الممكن خداع كل الناس مؤقتاً أو دائماً، لكن لا يمكن أبداً خداع الجميع بشكل دائم! وهذه بديهية تاريخية عرفها آباؤنا وأجدادنا، وها نحن نحتفي بها ونقدر دورها. وفي الواقع، هناك ما هو على المحك أكثر من ذلك عندما نسعى لاستعادة شرف الملوك والحكام المتوفين، فمصر تسعى لاستعادة رأس نفرتيتي وحجر رشيد وغيرهما من أيقونات التاريخ، تماما كما تفعل المملكة العربية السعودية مع المدائن. صالح والأردن مع البتراء يفتخر في كل بلد عربي وإفريقي وإسلامي أن هناك آثاراً وشهادات تاريخية تؤيد وجهة التاريخ وتعزز رسالته ضد من حاول طمس هويته وتشويه مساره. هذه هي رؤيتنا لقرارات التاريخ العادلة مهما كانت مخفية. وإذا سبق أن قيل إن الرحمة قبل العدل، فإن هذه الحكمة تتنافى مع استقراء التاريخ ودراسة أركانه وفحص مداخله ومخارجه. فكم من إنسان يعي دروس التاريخ وآدابه ويقف دائما إلى جانب الحق، آخذا في الاعتبار أن الحياة ليست فقط… حقيقة، بل هي أيضا طريق، وسنراقب دائما المسار الذي نحافظ عليه الحياة وحركة التاريخ، خاصة وأننا كعرب لنا تاريخ طويل ومجيد وماضي مجيد نعتز به دائما ونفتخر به، ولكننا لا نبالغ على حساب الحقيقة، ونقوم بذلك ولا تقبلوا تشويه الأحداث ولا تسمحوا بتحريف المواقف. تحية لمن سبقونا في هذا المجال، والاحترام والتقدير للجميع… من يبادر معنا في هذا المجال… محكمة التاريخ محايدة، يقظة، واعية، عادلة وملتزمة وتؤمن بذلك. فالحقيقة هي الأكثر ثباتاً دائماً، كما أن كل القادة التاريخيين على طريق الإنسانية هم علامات التطور وعلامات حركة الزمن، لكن حركة الجماهير هي دائماً المعيار لفهم الفلسفة الحقيقية للتاريخ الإنساني بفلسفته. المال وما عليه. فكم هي القصة خادعة وما خطورة كلمته في النهاية؟!

نقلا عن: المستقلة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى