اخبار مصر

مصطفى الفقي يكتب: هل السلام ممكن في الشرق الأوسط؟!

سؤال طموح ورؤية بعيدة المدى ورؤية ضبابية. ما إذا كانت أحداث الصراع العربي الإسرائيلي قد شوهت تاريخ المنطقة بسبب الممارسات الإسرائيلية وسلسلة الجرائم العدوانية والعنصرية والاستيطانية التي حاولت بها خصائص النضال الفلسطيني والنضال الوطني من أجل الدولة الفلسطينية المستقلة مع عاصمة في القدس، وعندما يتجول مخيلتي بهذه الأفكار أجد صعوبة في الإجابة على هذا السؤال بعد كل هذا الكم من الدماء والأشلاء والشهداء منذ 7 أكتوبر 2023، قامت إسرائيل بأعمال غير عادية في التاريخ لقد انتهت الحروب، وكسرت كل الحواجز، وتجاهلت كل قوانين الحرب الدولية والإقليمية، التوازن الإنساني بين… التشاؤم والتفاؤل، لتذكرني بصورة لن تفارق ذهني أبدا، عندما قال الرئيس الأمريكي الأسبق واستقبل بيل كلينتون مجموعة كبيرة من الشباب الفيتناميين الذين قتلت القوات الأمريكية آباءهم خلال حرب فيتنام، وهي الروح التي سادت هذا اللقاء، بعد تاريخ طويل من المعاناة وانتشار خطاب الكراهية. ومع ذلك، الوقت يشفي كل شيء. ليست هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة. لا أحب هذا النوع من التفكير الذي يشجع على النسيان ويحث على المغفرة. هناك جرائم لا تسقط بالتقادم، وهناك قلوب تحترق مهما طال الزمن. لذا أتساءل ما الذي ينطبق على حرب فيتنام، وهل ينطبق أبناء وأحفاد ضحاياها على أطراف الصراع العربي الإسرائيلي؟ هل يمكن لأطفال فلسطين أن ينسوا ما حدث لآبائهم وأمهاتهم وحتى بحقهم، الذين وصل بعضهم إلى سن الوعي والقدرة على التمييز بين من قتل أهله ودمر بيته ودمر مستقبله؟ ، وحياة أخرى يكون فيها التعايش ممكناً ويتطلب التواصل وتستمر الحياة كالمعتاد؟! لذا أعود إلى السؤال الذي أطرحه الآن: هل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ممكن بعد حمامات الدم وصواريخ العدوان وتدمير المباني على ساكنيها وتدمير المنازل بكل سكانها؟ وبرأيي فإن الأمر يتطلب فترة زمنية طويلة وتغييراً جذرياً في فلسفة الحرب التي اندلعت ودوافعها وطرق الخروج منها. ولذلك أرجو الإذن بتسجيل بعض الملاحظات:

أولا، كانت الحرب الفيتنامية الأمريكية نتيجة نزاع استراتيجي قائم على مزيج من الخلافات القائمة بين الأطراف المتحاربة خلال تصاعد الصراع في ظل الحرب الباردة. الأمر مختلف تماماً لأنه ينطوي على خطاب عميق من الكراهية المتبادلة بين الجانبين. وهو ليس خلافاً فكرياً محدوداً أو محدوداً، بل تباين سياسي أعمق، لأنه مترابط ولا يمكن إغفال عمق الخلاف بين الطرفين. يمكن للفيتناميين أن يتعايشوا مع الأميركيين بعد أن تسكت البنادق وتنتهي الحرب على انتقام معقد، وهو معقد أيضاً، ويستغرق عشرات السنين حتى تهدأ الجراح وتظهر بدائل تعكس رغبة مشتركة في عالم آمن. إن التعايش والسلام المتبادل يشير إلى ما لا يمكن تحقيقه إلا بالموافقة الكاملة والقبول الطوعي من الجانبين.ثانياً، تشير دراسة شخصيات الفئة الحاكمة في إسرائيل إلى معرفة المستوى العالي من العدوان الذي دفعهم إلى تلك الممارسات التي تشكل محرقة جديدة ضد الفلسطينيين، وكأن هناك عملية حسابية بين يهود إسرائيل. عالم الدولة ودوله المختلفة بتعذيب الفلسطينيين وتدمير حياتهم وتشويه صورة الأمل في مخيلتهم ووعيهم. دائما بالقهر وجلد الذات والندم والقمع المستمر والرعب المتواصل، وهذه كلها صفات برع اليهود في زراعتها كما أرادوا، وكأنهم لا يتذكرون تعايش المسلمين والمسيحيين واليهود على مدى قرون من الزمن. قارات العالم القديم، كما أنهم لا يتذكرون أن وزير المالية المصري كان قبل أقل من مائة عام يهودياً مصرياً. ثالثاً: إن كل صراع دولي له مقومات وجوده وعوامل استمراره، وكذلك العناصر التي تؤثر فيه صعوداً وهبوطاً حسب طبيعته. ومن يفكر في الصراع العربي الإسرائيلي يدرك أنه صراع من أجل البقاء وليس صراعا من أجل مكان على الحدود. ولذلك فإن الأمر يتطلب دائماً الكثير من التفكير والدراسة، ورغم أنني أميل إلى التفاؤل، إلا أنني لا أجد له مكاناً في هذا الصراع. ويبدو أن المنطقة اليوم تتعرض لضغوط من كافة الاتجاهات. هناك مؤيدون للقضية الفلسطينية ومؤيدون للموقف الإسرائيلي على المستويين السياسي والعسكري. ولا شك أن هذا النوع من الصراعات المعقدة يحتاج إلى حلول جذرية وطويلة الأمد تأخذ في الاعتبار أسباب نشأتها وتعالج التطورات في كافة الاتجاهات. إن نسيان ما حدث والغفران المتبادل لما حدث لن يتحقق في وقت قصير. بل إن الأمر سيتطلب أجيالاً متعاقبة حتى تنقي النفوس، وتتغير التواريخ، وتعود إسرائيل إلى رشدها، وتصحو من ضلالها، وتعترف بالحقوق الفلسطينية المشروعة. والتصرف بحسن نية. ومن ناحية أخرى، يجب على الفلسطينيين أن يوحدوا كلمتهم. وعليهم أن ينبذوا خلافاتهم، وأن يدركوا طبيعة عالم اليوم وتحالفاته، وأن يعلموا أن الشرعية الدولية طرح نظري لا يعبر عن مكونات الحل الذي يسعى إليه الطرفان. وعليكم أن تعلموا أيضاً أنهم قاتلوا بشجاعة ودافعوا عن شرف الوطن بلا حدود، ولكن في كل الأحوال العنف يغلب الشجاعة!رابعا: الصراع العربي الإسرائيلي في مجمله ليس نزاعا طائفيا أو أزمة مؤقتة، بل هو صراع تختلط فيه الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية تحت مظلة دينية، مما يجعل الأمر معقدا للغاية، وهو الأمر بالتأكيد ليس من الممكن القفز إلى الماضي في خطوة واحدة. بل إن الأمر يحتاج إلى جهد كبير، وصبر طويل، ولطف، ورغبة حقيقية في تحقيق الأمن والسلام الدوليين في هذه المنطقة الواقعة في قلب العالم. فإسرائيل كيان ودولة برزت وتحاول الظهور على اثنين منذ قرون مضت بدأت العلامات الأولى تدق أبواب السلطنة العثمانية وبلاط محمد علي، إلى الدول الغربية، وخاصة بريطانيا، وتوارث ذلك جيلا بعد جيل لفترة طويلة من الزمن، لكن المرارة ظلت قائمة من الجانبين وتسربت الكراهية من الجانبين وأصبح الأمر حساسا للغاية ومعقدا للغاية. خامسا، إذا نظرنا إلى قضية القدس باعتبارها حجر الزاوية في الصراع في الشرق الأوسط، فإننا سنرى أيضا أنه صراع أديان وليس مجرد صراع بين العرب والمسيحيين والمسلمين، فضلا عن اليهود. إنهم يحبون الحديث عن القدس من منظور ديني بدلاً من القول إنها أرض فلسطينية تم احتلالها في يونيو 1967. وهم يكررون المطالبات الدينية والمعتقدات الروحية مرارا وتكرارا ويكتفون بذلك مقارنة مع غيرها من الأطروحات السياسية والدفاعات القانونية، فالأمر يشير إلى المعتقد الديني، فيصبح الأمر أكثر تعقيدا ويصبح صراعا معقدا، وليس أزمة مؤقتة أو مشكلة محلولة. ولذلك نضيف العامل الديني إلى العوامل الأخرى التي تغلغلت في أعماق عقول الرجال والسادة. القرار في العقود الماضية. وبناء على هذه الملاحظات أود أن أعطي إجابة رأي حول إمكانية تحقيق السلام في المنطقة وأدرك مدى صعوبة هذا الأمر في الوقت الراهن، ولكن التاريخ مليء بأمثلة الحروب الدموية بين الأمم والصراعات العسكرية بين الجيران. ولكن في وقت معين وفي ظروف دولية وإقليمية خاصة، يحدث انفراج، ويأتي الحل ولو… لقد كان بطيئاً وتدريجياً، ويبدأ جزئياً ثم يطغى على المنطقة برمتها. وهذا ما نأمله للمنطقة العربية، وهو مرهون بأمر بالغ الأهمية، وهو اختفاء الطبقة الحاكمة في إسرائيل، وربما في بعض الجيوب الفلسطينية، حتى تتدفق دماء جديدة، ويبحث عن الحل بدلاً من التعصب. العمى والصراخ المستمر والعنف الذي لا يتوقف!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى